نوم الكيعان ..!! منى سلمان [email protected] لحبوباتنا دعوة يدعون بها للمتزوجة حديثا بالقول ( إن شاء الله تضوقي نوم الكيعان)، وللوهلة الأولى قد تفغر العروسة فاهها دهشة، فالدعوة في ظاهرها تشبه الدعاء عليها إلى أن تسمع التفسير، ف(نوم الكيعان) هنا المقصود به أن يرزق الله العروسة بالذرية .. لا يهم صلاح الذرية من طلاحها .. ففي الحالتين (نوم الكيعان) ياهو المِحمّده. ما أن تضع الحامل وليدها حتى يجافيها النوم ويعلن عليها خصام الحراز للمطر، فالعفاريت الصغار المتدثرين بدثار الملائكة لا تحلو لهم الرضاعة إلا ليلا، وما أن يغط أهل البيت في النوم وتغفو النفساء المجهدة من عناء المخاض وتعب الولادة ومقابلة وفود ال(حمد لله بالسلامة)، حتى يتمطى الزعيم ويمد يديه ويفتح شفتيه الصغيرتين بحثا عن (تُمنة اللبن)، وما أن يعثر عليها حتى يكنكش فيها بكلتا يديه ويعمل فيها شفطا طوال الليل، بينما تقضي الأم المسكينة ليلتها ساهرة (محوصة) العينين تغالب النعاس وتدافع النوم، خوفا من أن (يشرق) الصغير باللبن أثناء دقستها وتبقى في الندامة، ولكن سلطان النوم يغلبها فتستند الى كوعها وتنام لبرهة حتى يميل رأسها للأمام وتكاد تسقط بوجهها على الصغير، فتستيقظ فزعة وتتحسسه بيديها لتطمئن على سلامته، ثم لا تلبث أن (تدقس) مرة أخرى وهكذا حتى الصباح .. والغريبة .. ما أن تشرق الشمس حتى يتمطى إبليس الصغير ويغرق في نوم ملائكي ويترك أمه المسكينة لتواجه سهر النهار الطويل. تعتقد الأمهات أن الولادة هينة بينما تكمن الصعوبة في التربية، فلهن قول مأثور من قديم يقول ( الرباية صعبة متل قرش الحصا)، فكما يشق على المرء أن يحشو فمه بالحصى ثم يعمل فيها قرشا، كذلك الحال مع تربية العيال ففيها من المشقة ما يعادل (الضرسه) الناتجة من طحن الحصى بالأسنان. لا تعلم الفتيات قدر المعاناة التي عانتها أمهاتهن في سبيل تربيتهن حتى يجربن الأمومة بأنفسهن، أما الأبناء والذين يصيرون بعد ذلك آباء فهم لم ولن يعلموا حقيقة تلك المعاناة أبدا، ففي حلقة من حلقات (أوبرا) تحدثت عن معاناة الأمهات في تربية العيال وانشغال ليلهن ونهارهن بمتابعة مشاغباتهم، مما يدفعهن لحافة الانهيار البدني والعصبي، فقد نصحت (أوبرا) الأمهات بمحاولة الحصول على قسط من الراحة والسكينة أثناء النهار، حتى ولو كان الوسيلة الوحيدة المتاحة هي دخول الأم للحمام وإغلاقه عليها لبضعة دقائق تسد خلالها أذنيها (دي بي طينة ودي بي عجينة) وتنعم ببعض الراحة من وجع الدماغ .. فطر الله قلب الأم على التفاني لأطفالها وبذل النفس والتضحية براحتها من أجل راحتهم دون انتظار لكلمة شكر أو تقدير لمجهودها .. فقد كنت في صغري أنوم الضحى أجيد التهرب من نصيبي في شغل البيت، وكانت أمي تدفع عني غضب شقيقاتي بالقول: خلوها بعدين براها بتشيل شيلتا . فقد حكت لي - للتدليل على قولها - قصة امرأة من معارفها كانت تتمتع ب(الجلد الحلو) ومحبة رويحتا، وكانت تكثر من التمارض وتخترع الاوجاع للتهرب من شغل البيت، ولكن ما أن تزوجت وأنجبت حتى نفضت عن كاهلها حركات الخمالة وقامت بواجباتها خير قيام، فكانت تقوم بخدمة بيتها وأطفالها دون مساعدة وظلت على ذلك حتى بعد أن رزقها الله بالكثير من العيال .. بل صارت تقاوم الإعياء والتعب إذا مرضت (بالجد) وتجاهد لأداء واجباتها .. زارتها أمي مرة فوجدتها تعاني من صهد الحمى الشديدة ورغم ذلك عصبت رأسها بمنديل وجلست على الأرض تغسل ملابس أطفالها. كنت أظن وإن بعض الظن كياشة بأنني رزقت بأربعة ملائكة بأجنحة خفية، ولكن كلما مرت السنين تطاير ريش الاجنحة وحل محله وبر الشلاقة، وهأناذا أقضي نهاري في الصراخ خلفهم ( يا ولد أدلا من الشباك .. ما تنطط في السرير .. ما تقلب الهوبة إنت ماكل هسي .. الليلة استنوني بجي اهردكم هرد !!)، وعندما يأتي المساء ويجبرهم الإجهاد على اللجوء للأسرة، أكون قد استنفدت آخر قطرة في تنك طاقتي وأعاني من زغللة العينين ونشاف الريق وورم في الدماغ وشيء من البتباتة، ولسان حالي يوافق منى قلبي بأن (يا يوم بكرة ما تسرع) عشان يكبروا شوية. الرأي العام