إليكم الطاهر ساتي [email protected] ورقة من مفكرة العام 2005 ..!! ** لمن أحبها ، سرا و جهرا ، حبا لو وزع على أهل الأرض لحل السلام عليهم ولصاحب الذئب الحمل ..عيد سعيد جدا بإذن الله ..لامرأة فاضلة في تلك القرى النوبية الوديعة..كانت حين يبلغ بنا الحرمان مآلاً قاسياً تذهب بدجاجها وحمامها إلى سوق أرقو السير ، فتأتينا آخر النهار بقوت اليوم اذا وجدت لدواجنها شارياً ، والا فتأتينا بالنصائح الصابرة فنطوي الليل إما بالأسودين أو( بكسرة معجونة بحبيبات الطماطم والملح والزيت )، ثم ننام ونحن على ذلك من الشاكرين.. إليها كل القلب والنبض ، وإليها أهدي فرح هذا اليوم ..!! ** وإلى تلك الايام القاسيات، حين يعاودنا برد الشتاء تحمل فأسها وعزيمتها وتحتطب ( فروع النيم ) و ( جريد النخل ) فتسد بها فجوات عرش المنزل المتهالك، لتقينا من زمهرير الليالي الشاتية وهجير شمس النهارات الساخنة، إليها كل الحب..وإلى تلك السنوات المتعبات حين تتراكم سحب الخريف فوق بعضها وتنذر بالمطر، تحمل جوالها فتجمع روث البهائم لتوفر للجدارالمتآكل سطحاً من ( الزبالة ) لتقيه من التآكل والتلاشى..إليها كل المودة ، وإليها أهدي بسمة هذا اليوم ..!! ** ولايزال في الخاطر ذاك اليوم ، يوم رن جرس مدرسة السير المتوسطة عند العاشرة صباح ذاك الأربعاء معلنا ساعة الفطور، فأخرج مع التلاميذ قاصدا سوق السير حيث المطاعم وحيث أمي تجلس شامخة وأمامها دواجنها، أذكر انها كانت فرختين وجوز حمام، ولم تكن قد باعت منها شئيا، فأنتظر قليلا ثم أعود إلي المدرسة بذات الجوع..فبدأت الحصة الرابعة، وكانت لغة عربية،وإنتهت ولم استوعب منها غير ذاك الجوع، ليعلن الجرس بداية حصة التاريخ، فيدخل مدير المدير وليس أستاذ المادة ، ليأمرني بأن أذهب إلي مكتبه وأنتظره هناك، فأمتثل لأمر المدير وأذهب إلي مكتبه ، لإتفاجأ بالغالية وهي تحمل الفول والطعمية وعصير الليمون ومجلة ماجد وثلاث كراسات لم أكن بحاجة إليها، ربما قصدت بها إزالة حزن تلك اللحظة التي لم أجد عندها مبلغ الإفطار..وغادرت المدرسة بعد أن وضعت في جيب قميصي ( طرادة ) ، وعلى خدي قبلتين ، ولم تنس نصيحتها المعتادة : من المدرسة تجي البيت و أوعك تمشي البحر..زيارتها للمدرسة من أجل إفطاري أحرجتني آنذاك ، ولكني بتلك الزيارة أفتخر اليوم وكل يوم ..!! ** لتلك الشريفة و أيامها الشريفات، وهى ترسم لنا خطى الطريق القويم في دروب الحياة الشائكة ، وتبصرنا الي جادة الحياة، وتعبد لنا جسراً من التواصل و التراحم والتآخى بيننا وبين بسطاء القوم وعامة الناس ، إليها كل الوفاء..و كانت - حين يصل بنا اليوم الدراسي نهايته - تحملنا المعاول، ثم تذهب بنا قبل شروق الشمس إلى جروف جدي لنزرع الخيرات على الشواطئ، نحفرالطمي وهي من خلفنا تنثر بذور اللوبيا والترمس، ومن حولنا تتلألأ أقداح الشاي وأطباق ( قراصة البلح ) ، تلك التي أعدت ليلا ونحن نيام ، لنتقوى بها في ضحى الحفر والنثر..لها الحب ، بعدد ما في تلك الحفر من بذور، وإليها أهدي فرح هذا اليوم ..!! ** إليها وهي ترسلنا فجراً إلى مقاول القرية – أو أسطتها - لنتصبب عرقا حين نناوله بأيادينا الصغيرة وسواعدنا النحيلة الطوب و (أقداح المونة ) تحت وهج الشمس و لظاها، و نرجع إليها مع المغيرب بأجر ( اليومية ) فنجدها أعدت لنا شاي المغرب و( الإبريق ) و( برش الصلاة) و صالح الدعاء..إليها كل دعاء طيب، بعدد ذرات تراب وقطرات ماء إستخدمها مقاول قريتنا في بناء مسجد قريتنا..لأبنيها في كل ذرة فيها عرق ، ولها في كل ذرة صدقة جارية ودعاء طيب بإذن الله ..!! ** إليها..وإلى زمان تلك الدروس التي رسخت فينا قيمة الكد الشريف وعدم الإحساس بالدونية في مقامات العمل الشريف و الكسب الحلال..إليها وإلى تلك الايام وقسوتها التي إن فارقناها زماناً و مكاناً و حالاً، الا انها بطعم كدها و لون جهدها و رائحة عرقها تشكل حضوراً نبيلاً في حياتنا الآنية، مع وعدها بأن تشكل حضورا نبيلا مدى العمر بإذن الله..نعم ، سنتذوق طعم تلك الأيام الطيبة - أيتها الطيبة - حين تطرق أبواب المدن أيدي أصحاب الحاجات أو تلجأ إلى صفحات صحفنا شكاوى الحيارى و ذوي العرضحالات..وسنشتم رائحتها الزكية - أيتها الزكية - حين نخالط عرق البسطاء الصاب في الاسواق و المركبات وسوح العمل بحثاً عن الرزق الطيب والكد الحلال..وسنملأ الأعين بلون تلك الايام الزاهيات - أيتها الزاهية - حين نمر بأزقة بيوت الطين و مدن الكرتون و تحتها تبرق عيون النساء و الشيوخ و الاطفال بشعاع الأمل المرتجى والقادم على اجنحة الخير - بإذن الله - من رحم المعاناة والرهق النبيل..هكذا نعاهد الغالية ، بأن نعيش بالناس وللناس ، أو كما تنصح.. فلها الطاعة وكل الود وسعد هذا اليوم ..!! ** لتلك المرأة الأمة التي اعدت أبناءها لمدرسة الحياة الفاضلة اعداداً طيباً ، و زودتهم بحب الآخرين وأجبرتهم - بدروسها النظرية و العملية - على النظر بعين الرحمة والحب لمن يتخذ الثرى حالا عفيفا ومقاما متعففا ، والتحديق لمن في الثريا قيماً واخلاقا وطموحا نبيلا..إليها وهي تنزع من قلوب أبنائها في بواكير الصبا الخوف في حضرة الصدق والصمت في مقام الحق والتعالي في مقام التواضع..إليها وهى تفتح لهم نوافذَ يطلون منها على الحياة بما يرونه حقاً ودفاعا عن الفضائل والحقوق ، قد يخطئون وقد يصبون ولكن كما نصحتهم - ولاتزال - شأنهم أن يقولوا كلمتهم بلا تلعثم في وجه من يهمه الامر، ويمشوا لحال سبيلهم و لا يبالوا إلا من غضب الله عليهم وعدم رضا عباده الصالحين عنهم..إلى تلك الشريفة التي أدبت فأحسنت ، وأعطت بلا بخل ، لها كل البر و كل الوفاء ..!! ** إليها في تلك الديار الطيبة بأهلها..وعبرها لكل أمهات بلادي ، وهن يستقبلن هذا اليوم وفي الخواطر بعض الأشياء..لكل أم فقدت ابناً ، زوجاً ، أو اخاً ذهب إلى العلياء شهيداً في سبيل قضيته..إليها ، وعبرها لكل أم فرضت عليها أقدار السماء - حينا من الزمان أو في ساعتنا هذه - تحمل صعاب الحياة و ضنكها بإرادة صلدة و صبرلا يئن..إليها ولكل ( أم ) تعد ابناً او ابنة للمستقبل بعدة العلم النافع وعتاد القيم الفاضلة..إليها وعبرها إليهن جميعاً بطاقة حب خضراء، ثم أمنيات صادقات بالصحة والعافية وراحة البال ..الطاهر ساتي ، ذو الحجة 1426 هجرية ، الخرطوم ..!!