بالمنطق الراكوبة..!! صلاح الدين عووضة ٭ و«الراكوبة» التي أعنيها هنا ليست «راكوبة» جدنا عويس بساقيته - في أقصى الشمال- حيث كنا نسمع منه تحتها كيف أنه ضرب شخصاً في قطار الصعيد «كفّاً» جعل إحدى عينيه تبرز من محجرها بسبب «خناقة» على الحجز. ً ٭ ولا أعني بها كذلك اللاعب الشهير ذاك من لاعبي أحد فريقي القمة في زمن مضى حيث كان يحلو لمشجعي النادي الخصم مناداته ب «الراكوبة» في أواخر عهده الكروي فيجيء رد فعله مماثلاً لرد فعل نظيرٍ له بمصر، حيث يهتف ضده جمهور النادي الآخر: «العبيط أهو، أهو أهو أهو».. ٭ ولا أعني بها أخيراً رواكيب «الاسترزاق» التي درجت حكومة ولاية الخرطوم على إزالتها هذه الأيام بحجة تشويهها لوجه العاصمة «الحضاري!!» لتُمنح أماكنها من بعد ل «وجوهٍ!!» تعرفها ب «سيماها» ال «حضارية!!» بدلاً من وجوهٍ ذات «غباش». ٭ فالراكوبة التي أعنيها هنا هي ذاك الموقع الالكتروني الذي يؤمّه الآلاف من قراء ما يُنشر في الصحائف الورقية بعد إحالتها إلى صحائف انترنت خاضعة للنقاش في ظل الراكوبة هذه. ٭ وكاتب هذه السطور حريص على مطالعة ما يتذيَّل كلماته من تعليقات، لأنه يدين لها بكثير فضل قد لا يعلمه المعلقون هؤلاء، بما أن منهم من يستبطئ تفاعلاً من جانبنا مع بعض الذي يُثار في «ظل» الراكوبة، وهم يظنون ربما أننا الذين نبادر بطرح كلماتنا هذه عليهم الكترونياً من أجل الاطلاع. ٭ وبما أننا الذين نفعل ذلك حسب الظن هذا فلماذا التجاهل الذي يماثل تجاهل من يطرح قضية للنقاش ثم يلوذ بالصمت..؟! ٭ فإدارة الراكوبة هي التي تتولى في الواقع عبء هذا النشر «الالكتروني» نقلاً عن صحائفنا الورقية، ثم تترك لنا عبء التعليق «ورقياً» إن أردنا على ما يُثار تحت الراكوبة. ٭ وها نحن نفعل الآن رداً على تساؤل لا يمكن تجاهله بما أن صاحبه هو زميل دراسة عزيز بمدرسة كريمة الأهلية القديمة، فحواه بعد التبسيط: «إنت شايت وين؟!». ٭ فرفيق صبانا هاشم داؤود يريد أن يعرف اتجاهنا السياسي بعد كل هذه السنين والغياب دون أن ينتبه إلى أن الذي يسأل عنه يعلمه هو تمام العلم من واقع حادثة في ذياك الزمان كان دافعها «الفطرة» أكثر من كونها وعياً سياسياً راشداً. ٭ فبمناسبة زيارة جعفر نميري لكريمة عقب انقلاب مايو طلب منا ناظر مدرستنا ذو التوجهات اليسارية كامل محجوب، أن نخرج لاستقبال قائد «الثورة!!» بمحطة القطار وفقاً لخطةٍ تنظيمية سوف يُعاقب كل من يحيد عنها. ٭ ولكن كاتب هذه السطور حاد عنها «مُحوِّداً» نحو راكوبة أو بالأحرى رويكيبة ل «دُخرينا» بائعة «الخدرة» بالكسرة للمسافرين بجوار محطة البواخر غير آبهٍ بالعواقب. ٭ فقد كان بداخله نفور «فطري» وهو في ذلك العمر من الذين يفرضون أنفسهم حكاماً على الناس بالقوة، ثم يطلقون على مؤامراتهم الليلية اسم «الثورة!!». ٭ ذلك ما حدث بالضبط، وكان شاهداً عليه زميل دراستنا الذي يسائلنا الآن: «إنت شايت وين؟!». ٭ ومن لدن يوم «راكوبة دخرينا» ذاك وإلى يوم راكوبتنا الالكترونية هذه، ظل موقفنا ثابتاً إزاء الأنظمة الشمولية: سواء باسم الاشتراكية كانت أو الإسلام، أو «الجن الأحمر».. ٭ وهو إن كان موقفاً فطرياً آنذاك فقد صار فيما بعد وعياً متكاملاً يستمد «منطقه» من الدين والدنيا كليهما. ٭ فلا الدين عبر ثورية السقيفة يرضى بأن «يفرض!!» أحدهم نفسه على الناس حاكماً.. ٭ ولا تراكم خبرات الحضارة الدنيوية عبر تجلياتها في الممارسة الديمقراطية ترضى بذلك أيضاً. ٭ وحجة كلا نمطي الحكم الديني والدنيوي هو ألا تُنتهك كرامة ابن آدم: فيُسجن، أو يُعذب، أو يُكبت، أو تُصادر ممتلكاته، أو يُقطع رزقه أو ««عنقه!». ٭ فكرامة الإنسان التي حثَّت على صونها الأديان السماوية والتشريعات الوضعية «السوَّية» لا قيمة لها لدى الذين يفرضون أنفسهم حكاماً على الناس بالقوة. ٭ وكذلك لم تكن لها قيمة لدى نميري الذي أبى كاتب هذه السطور الخروج لاستقباله في ذاك اليوم وهو لمَّا يبلغ الحلم بعد. ٭ فقد آثر أن «يستظل» براكوبة دُخرينا على أن «يكتوي!!» بحرِّ ضحى يوم استقبال النميري.. ٭ و«ضحى» كل نظام قمعي له ليل «إذا سجى» فسوف «يضحى» راكوبة تماثل واقع ذاك اللاعب الذي أفل نجمه. ٭ وليست راكوبة مثل راكوبة جدنا عويس ذات ظل ظليل. ٭ أو راكوبة الموقع الالكتروني هذا ذات الحلم النبيل. الصحافة