الأستاذ مصطفى البطل، والمشير سوار الذهب، والوحدة تحت التاج المصري! بقلم بدر موسى [email protected] كتب الأستاذ مصطفى البطل، الكاتب الكبير، الحبيب إلى نفسي، والأثير عندي، مقالاً بعنوان (مرحباً برئيسنا الجديد جمال مبارك) عقب فيه على الحديث المنسوب إلى المشير سوار الذهب، والذي أقام الدنيا عليه، دافع فيه عن موقف المشير، مستنداً في دفاعه على أنه يمثل وجهة نظر، وما كان يجب أن يشتط رافضوها ويتهموه بسببها في وطنيته، أو كما قال. وقد كنت من بين الذين وصفوا تصريحات المشير، إن صح أنه قالها، بأنها تمثل خيانة وطنية عظمى، وقد علمت بعدها أن مكتب المشير قد أصدر نفياً لنلك التصريحات، ولكن على الرغم من ذلك، فإن دفاع الأستاذ مصطفى البطل أصبح الآن هو الجدير بالتعليق، لأن وصف مثل تلك التصريحات بأنها مجرد وجهة نظر قابلة للقبول أو الرفض، فيه الكثير مما يمكن أن يقال، ومن هنا يجيء تعقيبي هذا. المشكلة في مثل الحديث المنسوب إلى المشير سوار الذهب ليست في دعوته أو تبنيه لموقف الوحدة بين دولتي مصر والسودان، والتي أراها حتمية من منطلق كوني جمهوري من تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه، المؤمنين بالفكرة الجمهورية، التي تبشر العالم بحكومة عالمية واحدة. ولكن المشكلة هي في نوع الوحدة التي أرادها دائماً، ويريدها المصريون الآن، والتي ترى بأن السودان يتبع لمصر، فهم – المصريين أعني - قد ظلوا يتحسرون عبر تأريخهم الطويل على ضياع السودان الذي يدعون أنه كان جزءاً من مصر! وهي فرية لأ تستند إلى أي حقيقة تاريخية! فكلا مصر والسودان كانتا دولتين مستعمرتين، ولم يكن السودان تابعاً لمصر كما يدعون، وكما يتوهم الحديث المنسوب للمشير والذي يحن إلى (عهد فاروق ملك مصر والسودان) الذي لم يكن حقيقة في أي يوم! الوحدة على هذه الأسس، في رأيي المتواضع، ليست غير الدعوة إلى استعمار دولة لدولة، وتختلف كثيراً عن وحدة مصر وسوريا، على سبيل المثال، والتي لم تتبع فيها سوريا لسلطة جمال عبد الناصر، كما توحي عبارة (فاروق ملك مصر والسودان). ولنكن واضحين، بدون لف ودوران، المصريون الآن، وقد بلغ تعدادهم أكثر من الثمانين مليوناً، في بلد لا تزيد رقعتها الزراعية عن السبعة ملايين فداناً، لا يريدون غير الأرض السودانية التي تبلغ رقعتها الزراعية المروية أكثر من مائتي مليون فدانًا، ليتوسعوا فيها، وهم قد يرون أن هذا هو خيارهم الوحيد، الذي ليس بوسعهم أن يحيدوا عنه قيد أنملة، وليس له بديل عندهم إلا بالتسليم بقدر الله، وبعجزهم عن إيجاد حلول لمشكلة الإنفجار السكاني عندهم، سوى أن يبيدوا نصف شعبهم، خشية إملاق، حتى يتواءموا مع المتاح من رقعتهم الزاعية الصغيرة، والتي لا تكفي كل هذا العدد. ولقد وجدوا ضالتهم في حكومة الإنقاذ، حين ضبطوا قياداتها متلبسين بجريمة محاولة إغتيال الرئيس حسني مبارك، ثم تورطت نفس القيادات البائسة في جرائم الإبادة في دارفور وأصبحوا مطاردين من المحكمة الجنائية الدولية، فصار من السهل ابتزازهم، وكانت بداية دفع الثمن في التنازل عن حلايب، ثم بناء السدود التي تحمي السد العالي من تراكم الطمي، ثم التنازل عن مئات الآلاف من الأفدنة الخصبة في شمال السودان، وقد بلغت جهود ربطها بمصر مدىً بعيداً، ثم اتفاقيات الحريات الأربع، حتى وصلوا أخيراً إلى حيازة مليون فدان من أراضي مشروع الجزيرة. لذا فالمصريون لا يرغبون في الوحدة التي تقوم على أسس الندية والمساواة بين المواطن المصري والمواطن السوداني، والذي لا يرون له مكاناً في ثقافتهم غير ذلك الذي يصورونه في أفلامهم، بواباً غشيماً حارساً لعمارة، أو سفرجياً وجرسوناً يجهز الطعام والشراب لأسياده! وكل المشاريع المقترحة حديثاً، مثل التكامل، والحريات الأربعة على عهد الإنقاذ، لا تعبر سوى عن رغبة مصر التي تعاني الإنفجار السكاني، للتوسع في السودان، وأول ما يبادرك به المصري من كلام عن السودان، إن شاغلته بحديث عن وحدة مرجوة بين البلدين سيكون تعليقاً لا يخفي شيئاً من هذه الرغبة، وذلك الطمع الأزلي، على غرار: دة انتو عندكم حتة أرض، إنما إيه!! هذا هو قصارى ما يعرفوه عن السودان، ولا يهمهم حقيقة أن يعرفوا اكثر. هذه ليست دعوة للوحدة، بل دعوة للإستعمار، وداعيها إن كان المشير سوار الذهب، عن علم أو جهل، أو كان غيره، لا يعدو أن يكون متهماً بالخيانة الوطنية العظمى! فالوحدة في غير أوانها، ووفقاً لغير مقتضيات الندية والإحترام والمساواة، لا تعني غير الإستهبال! أما عن سؤال الأستاذ مصطفى عما كان يمكن أن يؤول إليه حالنا فيما لو كانت هذه المشاريع قد وجدت حظها من التنفيذ، فإني أجيب بأن السودانيين كانوا سيعرفون معنىً جديداً للإستغلال – نقيض الإستقلال - وللمكر والخداع، وربما كانوا قد أنفقوا بقية أعمارهم القصيرة أصلاً، وهم يقاتلون لأجل استرداد كرامتهم واستعادة أرضهم وحقوقهم الضائعة، وفي محاولة الخروج من كانتونات المهمشين في أطراف المدن السودانية،، والتي كانت ستكون مأواهم، مثلما هي مؤى المهمشين الآن، ولربما هلكوا عن آخرهم قبل أن يخرجوا مستعمريهم الجدد من المصريين، بعد أن مكنوهم من أرضهم، كما هو حال الفلسطينيين مع الإسرائليين اليوم! المصري بطبعه حلو اللسان، وخفيف الدم، محبوب لذلك من السودانيين، ولكنه أيضاً نهاز للفرص، وإن اغتنمها لا يتركها تفلت من يديه، طال الزمن أو قصر! أسألوا في هذا المغتربين السودانيين ممن لهم تجربة في منافسة المصريين في الوظيفة أو فرص العمل الحر، سواءً في المملكة السعودية، أو في بلاد الخليج العربية، والذين راح اغلبهم ضحايا وفقدوا وظائفهم، لأنهم عاجزون عن مجاراة من ينافسون في أساليبهم، ومقدرتهم على التشبث، حرصهم على البقاء في مواقعهم، إضافة إلى غياب القشة المرة، وكلها من الأسلحة الفتاكة التي لا يملكها اهلنا! وبلادنا بكر، وشعبها مضياف، كريم، وحسن الظن، وطيب، تاكل وتقش إيدك في طرفه، والطيب عندهم في مصر يعتبر عبيطاً، وهم لهذا نادراً ما يسمون أولادهم بإسم الطيب، أما نحن فنسمي، والحمد لله، صادقين، بنية أن يخرج أولادنا ليكونوا مثل آبائهم، رجالاً طيبين! فليس معنى الوحدة في هذه الحالة أن نصبح مصريين، نتكلم مصري، ونتزوج الفتيات البيض، ونأكل الكشري، ونبقى اخوات، ويصبح دمنا خفيفاً مثل دمهم، ويمكن كمان نمثل معهم في السيما، كما قد يتبادر أحياناً! وحذار أن نتمادى في هذه الصورة الوردية الناعمة، لأن ثمن هذه الأحلام قد يكون مكلفاً جداً إذا لم نكن حذرين، نحسن توقيت الخطوات، لنصل إلى وحدة معافاة من كل مرض، هي مصير كل هذا العالم، فيما يعتقد الجمهوريون. وأورد هنا ما سبقني بإقتطافه الدكتور النور حمد في سلسلة مقالاته المقروءة بعنوان (عبد الرحمن علي طه: كيف أقصى الملتوون المستقيمين؟! ) المنشورة حالياً عن السياسي الوطني المخلص والرائد في كشف سوء نوايا المصريين نحو السودانيين، من كتاب \"التكامل\" الذي أصدره الإخوان الجمهوريون في نوفمبر 1982م : (وقد ظل الحزب الجمهوري، الذي تحول إلى \"حركة الإخوان الجمهوريين\" ملتزماً موقفه القديم المتحفظ على الاندفاع لإزالة الحواجز بين مصر والسودان، قبل أوانها. فقد أوضحوا، أن الخطوة التي اتخذت بميثاق التكامل خطوة أسس التكافؤ فيها مختلة لغير مصلحة السودان، ويقول تعليق الجمهوريين على هذه النقطة: ((أول ما يُلاحظ هنا أن هذه النقطة (السادسة) قد تجاوزت كل المراحل التي كان يجب اتباعها للوصول إلى (الوحدة الكاملة)، بخلاف ما حاولت بداية الفقرة الرابعة أن توصي به: (.. وتقوم على استراتيجية يتم تنفيذها تداريجيا ووفقا لجدول زمني)..)). ويمضي التعليق فيقول: ((هذه العبارات التي وضعت في مقدمة الفقرة إنما تصرف النظر عن خطورة ما ذهبت إليه النقطة السادسة، وإلا فما معنى الحديث عن التدرج وفق جدول زمني طالما أن هناك بنداً يطالب بالغاء جميع القيود بكل أنواعها؟! والخطورة هنا إنما تتمثل في أن رفع جميع القيود التي ذكرتها النقطة السادسة إنما قد يكون من نتائجه المنطقية استئثار المصريين بفوائد رفع هذه القيود لانعدام المتوازنة بيننا وبينهم)). (ص 48). ويمضي الكتاب ليوضح هذا الأمر أكثر في مناقشته لبند العمالة فيقول: ((وبنفس القدر فإن العامل السوداني سيتهدده ضيق الفرص في سوق العمل أمام منافسه المصري إذا ما فتحت ميادين العمل بهذه الصورة المطلقة التي وردت في الميثاق))، (الإخوان الجمهوريون، التكامل، أمدرمان، نوفمبر 1982م، ص 51). هذا بخصوص الموقف المنسوب للمشير من الوحدة التي هي استعمار علم من علم أو جهل! أما بخصوص ترشيح الأستاذ جمال مبارك لخلافة والده في رئاسة مصر، فأنا أوافق الأستاذ مصطفى البطل تماما في كل ما ذهب إليه، لأن خطر الجماعات المتطرفة مثل جماعة الأخوان المسلمين خطر لا يدانيه خطر، كما وأن جمال مبارك غير والده، وقد استمعت إليه كثيراً، وهو أفضل من كل المرشحين، ويحمل رؤية واضحة فيما يجب عمله، ويمكن أن تشهد مصر على عهده تطوراً حقيقياً وتنمية أكبر لصالح المواطن المصري، ولكنه لا يملك أن يتنازل عن حلم السيطرة على الأرض السودانية، بعد أن وصلت بالفعل إلى حيازة مليون فدان من أرض مشروع الجزيرة الخصبة، واقتطعت حلايب، وتمددت في شمال السودان، على عهد حكومتنا الفتية والحمد لله! سلام سلام سلام