عبدالغني كرم الله ماذا يجري لهذا الشعب العظيم، في محاكم، وسجون، وبيوت، ومدارس، وجوامع، وكنائيس بلدي، هؤلاء القوم، هذا الابتلاء العظيم، لم يترك ظلامه ركن من أركان بلدي، وإلا مد جوره، وسوطه، وقسوته، لهين البلد، وترابه، ووحدته، وإقاليمه، وهويته، وفطرته، وأقلياته.. عين هذا الموبايل، كشفت نزر صغير، مما يكتوي به الشعب العظيم، من نيران حكمهم، ورمضاء قضائهم، وغبن توحشهم، المسربل بهوس ديني، كاذب، ومضر، قل نظيره في تاريخ البشرية. هم من قتلوا الجنوبين، طوال عشرين عام. هم من قتلوا الضباط الاحرار، في حركة رمضان الشهيرة، الحزينة، وتركوا اطفالهم كبش فداء لعيد الفطر المبارك. هم من قتلوا أعظم حمامة سلام كوني، قدمتها البشرية، الاستاذ محمود محمد طه، وهو الذي عاش شمس سلام، في فكره، وقلبه، ووحدانه.. هم من قتلوا طلاب الجامعات. هم من قتل روح التسامح، واركان النقاش، والفكر في ساحات بلادي.. وللفلم الحي، الصادق عن الحال، ذلك الفلم الذي صورته عين موبايل صادقة، لا تداهن، صورت ما يجري فعلا للشعب، وما يجري فعلا للمرأة السودانية على أيدي هؤلاء.. فالفيلم يظهر محاكمة، وشهود، وقاضي، وأناس تمر، مرور الكرام بالمشهد، وكأنه \"عادي\"، وليس لطمة في وجه الإنسانية. والقاضي يتفرج، بكرافته، وسعيد بالمشهد؟ قاضئ؟ فتصور؟ بلى، أعتذر لك، أختاه المعذبة، والتي أهدرت كرامتها، على الملأ الأعلى، والأدني. اعتذار، لك أختي المقتولة، بسوط النظام، وسدنته.. أعتذر لك، أختي المكلومة، المستباحة، المقتولة، أمام عيني. اعتذر لك، فقد شعرت بأني مشارك، مثلهم، في عدم الزود عنك، بالأمس، لم أنم، إلا بعد رهق، وحين نمت، ظلت صورة المرأة السودانية، السمراء، البسيطة، وهي تتلوى في تراب وطنها، من ألم السياط، حيثما اتفق، ومن هذا، وذاك من رجال الشرطة، ومن نفر، طمس الله فيهم ما طمس، يتفرجون، على واقعة، تسئ لكل ما جبل عليه الشعب من مكارم أخلاق، منذ آلاف السنين، ظلت تصرخ في حلمي، وكل سوط هوى على ضميري، وحسي، وبدني، وكرامتي المذلولة معها، فرض عين، ماذا جرى لنا؟ مشهد هز الفؤاد هزا، ماذا جرى لنا في عقود هذا النظام؟.. ماذا فعل هؤلاء الناس بمنهاجهم التربوية، وفلسفة التعليم، والسلوك الأخلاقي، حتى نصل لهذا الدرك، المؤذي للبصر، المشين للبصيرة، وماذا نتوقع من يزرع الشوك، في صفحه، وتلفازه، وندواته، وخطب جمعة احتحكرها، ووظفها لخطابه الديني الكاذب، الضار، المنافق.. تعجبت للمتفرجين؟ من يلتذ بسادية لمشهد سودانية، عزيزة، تجلد، وتصرخ،وتستغيث، وتضرب حيثما اتفق، تشفي منها، وليس اسلوب تربية، يضعها حتى في العقوبة، موضع المكرمة، العزيزة، الأبية.. ومن سن هذه الإهانة، الجلد؟.. في عصور حق الحيوان، وحق الطير، وحق العشب في الحياة الكريمة.. طاف حزني على مشهد بلادي المحزونة، بهولاء، والمتمسكين بالكراسي، ولو مات الشعب كله، ولو جلد الشعب كله، ولو جن الشعب كله، ولكن الصبح آت لا محال، والفجر، يطرد ظلمة الليل، تلك سنة الشعوب الأبية، والعاشقة للحرية، والأمن، والعزة.. من هؤلاء النفر، الذين حاكموا هذه المرأة، والذين صاغوا القانون، والذين طبقوه، والذين تفرجوا عليه، أهم سودانيين، ؟ أهم الحكام، وأصحاب النفوذ، أهم بشر، لهم ضماير، ونخوة، وحس فطري، ألهم أخوات، وأمهات، وزوجات، وبنات، وأطفال؟ أهم حرصاء على يوم الوقوف بين يدي رب العزة العظيم الكبير، المنتقم؟.. منظرها وهي تتلوى، بلا شفيع، ولا نصير، بل رجال أصابهم عطن، وخرف، وجهل، ومرض، يتفرجون، ويضحكون، قل لي ربك، ماذا يسمى هذا؟.. أين النعوت لمثل هذا الفعل الشنيع.. من أي درك أسفل جاء هذا المشهد، ومن أي عصر دمومي، طلع غول هؤلاء... أين العظيم، محمد، وحديث الغامدية؟ أي عرف انساني يقر هذا المشهد اللانساني، على الإطلاق.. حان ان يرحل هؤلاء، بلا رجعة، ولا أسف، وبعقوبة، وحساب عصير، لما فعلوه بالشعب، وانفصال، وبيع حلايب، وتشريد أهلنا في درافور، وقتلهم، وإرهاب البجة، وبيع بترول البلاد في فتن، وتلاعب بين خصومها، في أقذر سياسة تشهدها بلدان العالم الثالث، على مر التاريخ، بأسم الدين، والدين والعرف وسلامة الطوية منهم براء... يمر طيف البت المسكينة بي، مثل كابوس يطارد ديني، وخلقي، وفطرتي، من هؤلاء؟ لم حكموك، ولم اتحت لهم الفرصة، وكيف جاواء، ولم استمروا؟ وأشعر بأني انا، وليس غيري، من نكث عهد حماية المستضعفين من النساء والرجال... هذا النظام يجب ان يرحل، أن يقوض، أن يمضي أيدي سبأ.. أفقر الناس، وأصابه الغنى. نفر الناس الناس من الدين، والاسلام، والعرف ومكارم الأخلاق. هدد، بل فصل جنوبنا العزيز عنا.. وهاهي دارفور العريزة، تطلب حقها في العيش الكريم، والمساواة، والشرق يمضي في حقه في الحياة.. هؤلاء لصوص، لا أكثر، ولا أقل.. فليمضي هؤلاء،.. وإلا سنجد وطنا أخر، لا نعرفه، وسيذل الشعب وسيجلد، وماذا بعد أن انفصل الجنوب، وعلى الدرب دارفور، ماذا؟ هؤلاء قوم طمس الله بصيرتهم، ولا رحمة في قلوبهم، ولا فكر في عقولهم، هؤلاء لصوص.. ولن نتصور، منهم، أن يخرج من صلبهم عنبا، فهم زرعوا الشوك، والعنف، حيثما حلوا،... سيأتي الفجر، وترحل الظلمة، ويأتي الحساب..