مناظير زهير السراج تنفيذ الجلد فى القانون ..!! * فى اول مقال يتناول شريط الفتاة والحدث الفظيع فى الصحافة السودانية قلت: ( لا أدرى ما هى تهمة الفتاة، ولكن جلد اية فتاة او انسان بهذه الطريقة الوحشية بغض النظر عن الفعل الذى ارتكبه يجب أن يكون موضع ادانة ويدعونا للمطالبة بمراجعة القوانين التى تهين كرامة الانسان السودانى وعلى رأسها المادة 152 من القانون الجنائى لعام 1991، بالاضافة الى مراجعة الاداء فى المحاكم التى تتعامل مع هذه القوانين ) ..!! * أجد نفسى مضطرا لاعادة هذه الفقرة القصيرة للرد على البيانات والتصريحات الرسمية التى صدرت بعد الادانة الجماهيرية والاعلامية الواسعة للحدث فى محاولة للتأثير على رأى الناس فى ما وقع من ظلم فادح على الفتاة وانتهاك واضح للقانون. * الحق يقال، فلقد أسعدتنا تلك التصريحات والبيانات التى حملت اعترافا ضمنيا بالخطأ وأخبرت بتكوين لجان للتحقيق فيه، ولكنها أصابتنا فى الوقت نفسه بالكثير من الحزن والأسى بسبب ما حملته من عقوبة أخرى على الفتاة أكثر فداحة من العقوبة التى أوقعتها عليها المحكمة، وذلك بالحديث عن نوع الجرم الذى ارتكبته الفتاة والتعريض بسمعتها فى تبرير مخل للخطأ الذى وقع فيه منفذو العقوبة والتقليل من شأنه، وهو أمر قد يكون قد يكون مقبولا من احدى صحف الجريمة التى تبحث عن الاثارة والثراء على حساب أعراض المواطنين ولكنه غير مقبول اطلاقا من مؤسسات الدولة ومسؤوليها خاصة الكبار ..!! * لقد أدان الناس واقعة الجلد الوحشى بغض النظر عن جرم الفتاة الذى لم يكن احد يعرف ما هو ولم يسأل عنه أحد ليبادر بالانتقاد أو يسكت وانما انطلقت جميع الألسنة والمشاعرلأدانة الحدث قبل ان يعرف الناس نوع الجريمة ( انظر الفقرة الأولى من هذا المقال، كمثال )، فالعقوبة التى طبقت كانت بكل المقاييس وحشية وقاسية الى أبعد مدى، ولن ينزهها عن هذا الوصف، معرفة نوع الجريمة التى ارتكبتها الفتاة حتى لو كانت حدية، فالعقوبة الحدية لها أيضا مقادير ومقاييس محددة وليست متروكة لتقدير من يطبقها، ولقد جاء فى المادة ( 197 ) من قانون الاجراءات الجنائية السودانى لعام1991 أن تنفيذ عقوبة الجلد يكون كما يلى : أ – يجلد الرجل واقفا بلا قيد ولا شد، وتجلد المرأة قاعدة، ويجرى التنفيذ فى المكان والوقت اللذين يحددهما القاضى. ب – يكون الجلد دفعة واحدة معتدلا، وسطا، لا يشق ولا يكسر، مفرقا على غير الوجه والرأس والمواضع المهلكة، بسوط متوسط، ويجوز استعمال أى اداة مماثلة. ج – إذا تبين للقاضى أو من يخلفه، أثناء تنفيذ عقوبة الجلد، أن حالة الجانى الصحية لم تعد تحتمل ما بقى من العقوبة فعليه ايقاف الجلد ورفع الأمر للمحكمة المختصة. * اذن فلا مجال للحديث عن نوع الجريمة التى ارتكبتها الفتاة والتعريض بسمعتها لتبرير العقوبة الوحشية ، بل هو خطأ آخر أكثر فداحة من الخطأ الأول، كما أسلفت، وغدا يتواصل الحديث باذن الله، انتظرونى.