تعليقات في السياسة الداخلية(1-4) سليمان حامد الحاج البشير وإعادة التاريخ إلى الوراء مقدمة لا بدّ منها: البشير يتناقض مع الدستور قال الرئيس في خطابه في القضارف، لا مجال عن تعدد الأعراق والثقافات بعد انفصال الجنوب، وأنّ الدشتور الانتقالي سيتم تعديله لإزالة ماوصفه بالكلام “المدغمس" لتأكيد التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية واعتماد اللغة العربية كلغة واحدة. والشريعة هي المصدر الوحيد للقوانين بنص الدستور واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة بنص الدستور. وعندما يتحدث الرئيس البشير عن (بنص الدستور) فلاشك أنه يعني فيما يتعلق بالشريعة واللغة العربية عن دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005. الدستور يقول في مقدمته:- “وإدراكاً منّا للتنوع الديني والعرقي والإثني والثقافي في السودان، وإلتزاماً منا بإقامة نظام لامركزي وديمقرايطي تعددي للحكم...نعلن بهذا اعتمادنا بهذا الدستور قانوناً أعلى تحكم به جمهورية السودان خلال الفترة الانتقالية ونتعهد باحترامه." تعديل الدستور بعد الانفصال أمر طبيعي، إلا أنه لن يغير بأي حال من الأحوال من التنوع الديني والعرقي والإثني والثقافي في السودان لأنها أصبحت حقائق واقعة وجزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للبلاد. أكدّ ذلك أيضاً ما جاء في الفصل الأول من الدستور عن طبيعة الدولة السودانية في إعادة (1) البنود(1-2)، إنّ جمهورية السودان دولة مستقلى ذات سيادة وهي دولة ديمقراطية تتعدد بها الثقافات واللغات وتعايش فيها العناصر والأعراق والأديان، تلتزم الدولة باحترام وترقية الكرامة الإنسانية، وتؤسس على العدالة والمساواة والارتقاء بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتنتج التعددية والحرية. وجاء في المادة (4) البندين(ب،ج) أنّ الأديان والمعتقدات والتقاليد والأعراف هي مصدر القوة المعنوية والإلهام للشعب السوداني، والتنوع الثقافي والاجتماعي للشعب السوداني هو أساس التماسك القومي ولا يجوز استغلاله لإحداث الفرقة. فهل ستنفي مصادر القوة هذه وتنتهي أسس التماسك القومي بعد الاستفتاء؟! وأوضحت المادة (5) التي تتحدث عن مصادر التشريع في البند(2)، والتي تنص على أن يكون التوافق الشعبي وقيم وأعراف الشعب السوداني وتقاليدة ومعتقداته الدينية التي تأخذ في الاعتبار التنوع في السودان مصدراً للتشريعات التي تسن على المستوى القومي....الخ [راجع دستور جمهورية السودان الانتقالي 2005- صفحات 3-4-5] هذا ماقاله الدستور عن التعددية وعن مصادر القوانين. فمن أين جاء البشير بأن الشريعة هي المصدر الوحيد الذي بنص الدستور؟. فهذا النص غير موجود كلية في الدستور في أي مادة أو بند من بنوده، أما إذا كان يتحدث عن دستور مضمر بعد الاستفتاء فهذا لم يحن وقته بعد، ولكل حادثة حديث. وهل سيشطب الدستور الجديد التوافق الشعبي وقيم وتقاليد وأعراق شعب السودان؟ ويمحو بالقوة التنوع الثقافي والإثني والثقافات واللغات الموجودة في شمال السودان منذ آلاف السنين؟ ومع ذلك فإنّ شخصاً واحداً، حتى ولو كان في مقام رئيس الجمهورية، لايستطيع أن يملي مسبقاً على الهواء دستوراً لازال في رحم الغيب، فالدساتير كما هو متعارف عليه تضعها لجان مكونة من عدة علماء في القانون أو الشرع، يلمون بما يجب أن يكون عليه الدستور الذي يتوافق مع واقع السودان، ومكوناته الثقافية وتراثه وتقاليده وتعدد قبائله مع واقع السودان ومكوناته الثقافية وتراثه وتقاليدة وتعدد قبائلة وإثنياته ولغاته ..الخ. أما حديثه عن اعتماد اللغة العربية كلغة واحدة، فهو مناقض أيضاً لما جاء في الدستور المادة (8) التي تتحدث عن اللغة في بنودها الخمسة. وهي تؤكد أنّ جميع اللغات الأصلية السودانية لغات قومية يجب احترامها وتطويرها وترقيتها. العربية هي اللغة الأوسع انتشاراً في السودان. قد تكون باعتبارها لغة رئيسية على الصعيد القومي، والانجليزية، هما اللغتان الرسميتان باعتبارها لأعمال الحكومة القومية ولغتي التدريس في التعليم العالي. ويجوز لأي هيئة تشريعية دون مستوى الحكم القومي أن تجعل من أي لغة قومية أخرى لغة رسمية في نطاقها، وذلك إلى جانب اللغتين العربية والانجليزية. كذلك نص الدستور على أنه لا يجوز التمييز ضد استعمال أي من اللغتين العربية أو الانجليزية في أي مستوى من مستويات الحكم أو في مرحلة من مراحل التعليم. لا شك أنّ السيد رئيس الجمهورية على دراية قبل غيره من المواطنين بالدستور ولكل مواده وبنوده، لأنه يوقع يومياً تقريباً على العديد من القرارات والاتفاقيات والتوصيات والقوانين التي تسير دفة الحكم استناداً للدستور. فكيف يصدر تصريحاً بهذه الخطورة (الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للقوانين بنص الدستور) والدستور لايوجد فيه مادة واحدة أو بنداً يسند هذا التصريح؟. خطورة هذا التصريح، إنه يضاعف من الغبن الاجتماعي ويعمق الفرقة بين أبناء الوطن الواحد. وهو دعوة صريحة لمزيد من التمزق والانفصال رغم ما ستسفر عنه نتائج استفتاء الجنوب؛ لأنه في واقع الأمر يلغي تماماً ذاتية واستقلالية وحقوق ما لا يقل عن ستمائة قبيلة تخاطب بما يزيد عن مائة لغة في كافة أنحاء السودان ويقع معظمها في شماله. إنّ محاولة إعادة التاريخ مئات السنين إلى الوراء مناف للعلم وحقائق الواقع السوداني بكل تمايزه وخصوصياته. وكل من لايعي هذا الواقع فأنه لا يعبر إلا عن رغبة ذاتية تحاول أن تناطح المتغيرات والمستجدات في هذا الواقع. نواصل...... الميدان