( صواع الملك ) عصام البشير أوقعهم في \" حيص بيص\"! فيصل عبد اللطيف [email protected] الفتوى المشهورة بتحريم الاستفتاء، التي صدرت عن مجموعة علماء متضامنين حيرت الناس، وأثارت تساؤلات .. ولكني أجد العلماء الذين أفتوا قد ورطوا أنفسهم ، ووقعوا في \" حيص بيص \"..واكتشفوا الورطة عندما دهشوا بسؤال لم يكن في الحسبان. لا أدري إن كانت لديهم إجابة تخرجهم من المأزق. لقد شاهدت جانباً من برنامج \" حتى تكتمل الصورة \" في قناة النيل الأزرق ، ليل الثلاثاء. موضوع الحلقة خصص لمناقشة فتيا أو فتوى مجموعة الستين عالماً الذين حرموا الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب. شارك في الحلقة عدد من العلماء ، أو من المختصين في المسائل الدينية .. تناول المشاركون في الحلقة قضية الفتوى وارتباطها بالسياسة.. وقد أحسن الأستاذ الطاهر التوم صنعاً أن سلط الضوء على أبعاد تلك الفتوى التي أثارت الجدل، وقبلها تظاهرة هيئة علماء السودان ضد الاستفتاء، والشعارات التي رفعوها لرفض أهم استحقاقات اتفاقية نيفاشا. في الحقيقة هذا البرنامج في فضائية النيل الأزرق مواكب للأحداث ، ويطرح القضايا بمهنية عالية، ويفسر ويحلل، ويحاول أن يضع المشاهد في قلب الحدث، ويعمل على أن تكتمل الصورة المبعثرة أجزاؤها. العلماء الموقعون على الفتوى التي أثارت جدلاً واسعاً، وما تزال، أكدوا ، بل شددوا ، وقطعوا، بتحريم أي تحركات لانفصال الجنوب، و أن التصويت لصالح انفصال جنوب السودان عن شماله، يُحرّمه الشرع الإسلامي وطالبوا بالعمل على إفشال \" المخطط المعد من قبل الاستعمار لفصل جنوب السودان عن شماله\" . وكذلك قال الذين العلماء الذين تظاهروا في شوارع الخرطوم ، ولم تتعرض لهم السلطات لا بالهروات ولا بمسيلات الدموع. حينها وجهتُ سؤالاً إلى الذين خرجوا في تلك التظاهرة المحمية :\" أين كانت \"هيئة العلماء\"، وأين كان الدعاة، وأهل الحكم يعدون لتوقيع اتفاقية نيفاشا، التي أقروا فيها فصل الجنوب؟ \"، وكان الانفصال هو الأرجح ، ولم تكن \" الوحدة الجاذبة\"، إلا شعاراً مفرغاً، والحمائم لم تكن تحلق إلا في شاشة تلفزيون الحكومة. بل أين كانوا عندما استعرت الحرب الدينية، التي لم تترك لدعاة الوحدة فرصة . نفس السؤال يوجه للعلماء الذي مهروا فتوى التحريم ؟ أين كانت مجموعة الستين طيلة السنوات الخمس الماضية منذ توقيع نيفاشا، بل أين كانوا عندما وقعت نيفاشا، وقرأ فيها الوطنيون الانفصال بوضوح... ، ورأوا التفكيك رأي العين، ونادوا بضرورة المباصرة ، وقطع الطريق أمام أي مؤامرة للتفكيك؟ والفتوى نفسها أيدها علماء أزهريون، وقالوا : \"إن العلماء يرفضون استفتاء تقرير مصير جنوب السودان استنادا إلى الشريعة الإسلامية من حيث الشكل والمضمون ومآلات الواقع\". كثيرون يستغربون صدور مثل هذه الفتوى في هذا الوقت، ولكن الأغرب من الفتوى الغريبة ، أنها وهي تبدو ضد توجه الحكومة لم تحدث رد الفعل المعتاد، االذي تواجه به السلطات أي تحرك وطني يعبر عن رأي وموقف مضاد لتمزيق البلاد. نعود إلى برنامج النيل الأزرق \" حتى تكتمل الصورة \" .. فقد قدم المشاركون آراء متباينة ، وبعضهم حاول جر الحوار إلى هوامش ، بعيداً عن النقطة المحددة، و عن إجابة السؤال المحير الذي يتداول في الشارع السوداني خاصة. ولكني لاحظت أن الدكتور عصام الدين البشير وهو عالم متعمق دائماً كان في اتجاه موضوع الحلقة. وقد أغنى الحلقة بعلمه الغزير واستشهاداته التي كانت \" في محلها\"، ولاحظت أنه كان مع الشارع السوداني في سؤاله عن مغزى الفتوى الآن، واستفهامات لماذا ، ولماذا. لقد أعاد الدكتور عصام الدين البشير الحلقة إلى أصل الموضوع، بعدما ما ذهب بعض المشاركين بعيداً، ودخلوا في تفاصيل اشتراطات الفتوى، وأركانها، وخصائص المفتي، واستدعاء التاريخ وأقوال السلف .. ألا أن البرنامج الممتع انتهى، وختم الدكتور عصام الحلقة باستفهام ضخم ، اعتقد لن يجد إجابة ، وأنا أوجز مضمون تساؤله : إذا كان الذين أصدروا الفتوى قد حرموا الاستفتاء ، الذي يجرى الآن ويلقى إقبالاً كبيراً، وكذلك حرموا الانفصال الواقع حتماً، فما موقف هؤلاء العلماء الأجلاء من الذين شاركوا أو عملوا لموجبات الاستفتاء الذي سيفضي إلى الانفصال ؟ بمعنى آخر ما موقف الذين حرموا هذا الفعل أو الإجراء من الذين ارتكبوا هذا المحرم؟ وسؤال الدكتور عصام البشير يفتح أبواب أسئلة أخرى مشروعة، من مثل : ما موقف أولئك المفتين من نظام الإنقاذ الذي تبنى ماشاكوس ونيفاشا، ووقع الاتفاقية، ورتب للاستفتاء. وما موقف العلماء الموقعين على الفتوى من رئيس الجمهورية نفسه، الرئيس البشير، الذي لا يفتأ يعلن التزامه بنتيجة الاستفتاء، ويؤكد ذلك لمبعوثي دول العالم ، الذين يحجون إلى السودان تباعاً .. هل مثل هذه التساؤلات ستجد إجابات من مجموعة الستين عالماً ، الذين حرموا الاستفتاء؟ إذا كان العلماء المتضامنون قد حيروا الشارع السوداني، بل الإسلامي بفتواهم، فإن الدكتور عصام الدين البشير حير أصحاب الفتوى ورد الكرة إلى ملاعبهم. [email protected]