عبدالواحد احمد [email protected] لا احد يستطيع ان يلوم الجنوبيين لما اقدموا عليه فنحن في البطانة لو أُتيحت لنا فرصة ان نقرر مصيرنا لاخترنا ان ننفصل ونكوِِّن كيان لدولة ذاتية ... هذا الكلام قاله لي انسان بسيط في الشارع السوداني العام عشية استفتاء الجنوب لتقرير مصيره كما ان هذه هي حالة انسان الجزيرة والنوبة وكردفان والغرب كله وكذلك الشرق وجنوب النيل الازرق للدرجة التي تصبح معها كسوداني قديماً اذا سٌؤلت عن جنسيتك لأجبت بقبيلتك شكري محسي فونجاوي رزيقي و..و...الخ لتبيّن هويتك الوطنية في هذا الوضع ما ظل يمارسه نظام الانقاذ الذي لا يرعوي سادته أبداً وطوال اكثر من عقدين من الزمان من ممارسة العنف والبطش الذي كان كفيلاً بجعل الانسان السوداني في حالة بحث دائم للهروب والخروج عن تلك الدولة الظالمة المستبدة فمسألة انفصال الجنوب كسابقة اولي في تاريخ السودان هي ليست الا حالة هروب من ذلك النظام نظام المؤتمر الوطني ووصول بعد معاناة شديدة مع حالة اليأس وفقدان كامل للثقة مع النخب الحاكمة الي درجة الانعتاق والاستقلال فشعب الجنوب كجزء من مكونات المجتمع السوداني تعاطي مع النظام في كل القضايا التي تهم انسان الجنوب بكيفية التحرر والانعتاق من الاهانة وبذل في ذلك نضالات طويلة لتجئ نيفاشا كحاملة ورافعة نهائية لمعالجة ذلك الظلم بعملية الانفصال والانعتاق الكامل من كل سياسات الحكم وبطشه لتكون النتيجة والمحصلة الختامية وطن جنوبي يتكون الآن بكامل سيادته تعاطي الانسان الجنوبي مع كل انظمة الحكم بصورة مغايرة لما كان يتبعه انسان الشمال في التعامل مع قضايا الوطن فوقف الجنوبي في نزاع تام مع كل انظمة الشمال التي تعاقبت علي حكم السودان منذو الاستقلال مدافعاً عن حقوقه بالتمرد وحمل السلاح والتفاوض المرتكز علي ارضية هذا التمرد والاقتتال بالشكل الذي جعل كل مواطني الجنوب يلتفون في صف واحد ومصير مشترك وعدو مشترك لقضية واحدة حتي استطاعت نخبهم في توظيف تلك القضية بينهم لاجل الاقتناع والايمان التام بان تصبح كل سياسات الانظمة الفاشلة في الشمال هي الفتيل الذي يزوّد هذا التمرد والمد الثوري في كل حين بل حتي اصبحت قضيته نفسها هي اولي اوليات تلك الحكومات الشمالية الفاشلة علي اختلافها ومحل اعترافها ولا مجال للمزاودة فيها لتطرح العديد من المبادرات والتنازلات والرؤي حولها والتي لم تفلح في حلها بل في كثير من الاحيان كانت تفاقم من حدتها وتزيد في نيرانها حتي وصلت الدرجة التي ينفصل علي اثرها وطن مع حكم الانقاذ الحالي في المقابل نجد ان الانسان الشمالي بالمعني المفهوم لنا (الشمال هوالسودان ناقص الجنوب ) قد تعاطي مع قضايا الوطن بصورة مغايرة تماماً لما كان يتعاطاه الجنوبيون فعلي مر التاريخ ...ولاعتبارات خاصة جداً بمكونات هذا الشمال استطاعت انظمة الحكم بمختلف اشكالها من تحييد اهله وحشدهم وتعبئتهم احياناً لمواجهة الجنوب وقضية الجنوب للاستفادة من طاقاتهم كوقود للحروب التي نشأت هناك وبرزت تلك الحالة بصورة اكبر في عملية التعبئة والحشد للحرب هناك التي اتبعها وطبقها نظام حكم الجبهة والمؤتمر الوطني وانشأ لها مؤسسات الدفاع الشعبي والخدمة الالزامية والتجنيد والحشد القسري للجنود والجيوش لمواجهة الجنوبيين وحسم قضية الجنوب عسكرياً حتي اكتسب نظام الانقاذ نفسه أخيراً عجزه من الحل العسكري وهذا العجز المكتسب هو ما قاده الي الاستسلام لحل نيفاشا وتقرير مصير فصل الجنوب يقول عالم النفس الامريكي (SELIGMAN)صاحب نظرية العجز المكتسب (ان قدرة الانسان في مجري الحوادث لتحقيق اهدافه واشباع حاجاته تقوده الي المشاركة الفعالة في صنع هذه الحوادث ومواجهتها والتكيف معها في حين ان انعدام هذه القدرة يؤدي به الي الاستسلام والشعور بالعجز) لقد ادت النتائج البائخة والسيئة التي ظل يحققها النظام الحالي في مجال السياسة والحكم والاقتصاد وعجزه عن تقديم الخدمات والامن والاستقرار والعجز الدائم امام تحقيق نتائج ترضي تطلعات القاعدة الجماهيرية علي المستوي القومي والاقليمي والمحلي الي عملية فقدان الامل والاستسلام التام امام قضية الجنوب وبالتالي انطفاء كل اهتمام بالمستقبل وبما تؤول اليه طريقة معالجة مثل هذه القضية في هذا الوقت والذي يشهد احتقان وطني عام واستقطاب قبائلي وعشائري وجهوي حاد للدرجة التي استسلم معها لمصير القدر وظل يعيش ويتعايش معها بالاسلوب السلبي الانسحابي بدرجة لافتة فاصبح ينسحب من شتي انماط الانفعاليات الاجتماعية وقد يلاحظ ذلك في عدم اهتمامه ومؤيديه وتفاعلهم الحقيقي مع القضايا الحقيقية للوطن من تشرزم وانقسام وتفتت وتنمية وعجز في الميزانيات والفساد والبطالة بل انهم لا يابهون بها كما يلاجظ ايضا ان هناك شللا كاملا في الارادة السياسية يظهر عليهم تحت ضغط المجتمع الدولي والتلويح والتهديد بقرارات المحكمة الدولية الجنائية ونتيجة لذلك ولأن معظم السودانيين كشعب امي عام (نسبة الامية 61%) وفقاً لتقديرات اجريت في 2003 يتلقي مصادر معرفته عن طريق السمع والمشاهدة التي تأتي معظمها من الآلة الاعلامية التي تملكها الانظمة تقريبا والتي شكلت وعي معظم الجيل الذي نشأ وتشكل وعيه بعد او تحت الفترة الشمولية للحكم العسكري الثالث الذي لا زال يحكم السودان وهذا الجيل ايضا نشأ من جيل كان يقبع تحت حكمين عسكريين نميري وعبود تأثر ناقلي الثقافة للاجيال اللاحقة الآباء والجدود فيه ووقعوا اسيرين لآلة اعلام موجهة أيضاً بالرغم من تخلل تلك الفترات بنوع ما يمكن ان نسميه بالفترات الديمقراطية الا انه لا شك في ان تأثير الخطاب الذي انتهجته الآلة الاعلامية لفترة الانقاذ هو الاهم في تشكيل وعي معظم الجيل الحالي سلباً او ايجاباً ولأن ذلك الخطاب صُبّ ووٌظّف لتكريس سيادة قانون واحد وثقافة واحدة أُتِّبعت فيها شتي وسائل التغبيش والعنف والقوة والبطش جاء خطابا اقصائياً حمل في طياته وتاريخه صور دموية لدحر الثقافات الاخري تشكّل علي انقاضها جيلنا الحالي وتمت اعادة صياغته وفق رؤي واقكار هذا الخطاب الاقصائي التعبوي الذي لعبت في تكوينه آلة اعلامية ضخمة تحمل وبعنفوان شديد ثقافة استئصالية متجذرة وتحاول بشراسة واستماتة طمس معالم الآخر فنتيجة لذلك الخطاب فان الانسان السوداني الشمالي ايضاً وصل الي الدرجة التي وصل اليها النظام من عملية فقدان الامل والاستسلام لما يحدث حوله وشعر بعدم المبالاة والشعور بالانصرافية حول قضايا الوطن نتيجة تلك الآلة الاعلامية التي تعبث بعقله وحتي يستفيق ذلك المواطن ويشعر بالذل والهوان ويثور ضده ويلتف حول قضية واحدة بالشكل الذي يجعل كل مواطني الشمال وكياناته تلتف في صف واحد ومصير مشترك وعدو مشترك لقضية واحدة و تستطيع النخب والاحزاب والمؤسسات وجميع المواعين الديمقراطية والعدلية والفئات المجتمعية والاجتماعية في توظيف تلك القضية بينهم لاجل الاقتناع والايمان التام بان تصبح كل سياسات نظام الانقاذ والمؤتمر الوطني الفاشلة في الشمال هي الفتيل الذي يزوّد هذا التمرد والمد الثوري في كل حين بل حتي تصبح قضيته نفسها هي اولي اوليات تلك الحكومة الشمالية الفاشلة ومحل اعترافها ولا مجال للمزاودة فيها فحتي يستفيق ذلك المواطن والي ذلك الحين فان المؤتمر الوطني سيظل عاجزاً ومستسلما بصورة كبيرة امام كل مهددات الوطن ودواعي وجوده