[email protected] ( 1 ) عندما وضع مبدا تقرير المصير في المحك اي بدا الجنوبيون يتجهون لصندوق الاقتراع في ظل قانون جعل من عملية الانفصال اسهل من تناول حبة البندول اذ ستؤخذ النتيجة بالاغلبية البسيطة 50 +1 ومن نصاب قدره ستين في المائة من الذين سجلوا (ان شاء الله يكون سجل مائة جنوبي فقط) فبداية الاقتراع كانت كفيلة بان تجعل الانفصال امرا واقعا طبعا هذا بالاضافة لعوامل اخرى سابقة لتلك اللحظة . المهم عندها حدث للشماليين شئ من عدم التصديق ثم حزن ثم تطور الي استياء عام من مجمل الاوضاع ولكن مع التغطية الاعلامية الواسعة من كافة فضائيات الدنيا وفي كل مدن الجنوب تقريبا وانهمرت الاخبارالمصورة عن اليوم الاول من الاستفتاء وما صاحبه من احتفائية غير عادية اصاب الشماليين دهشة غير عادية الدهشة اصبحت هي السائدة فبدلا من ان يتحول الشعور بالاستياء الي اللامبالاة عمت الدهشة لماذا هذة الدهشة غير العادية ؟ لم يصدق الشماليون هذا الفرح الطاغي على الوجوه الجنوبية رغم ارهاصاته بدات منذ زمن فالوزير لوكا بيونق صرح ذات مرة وقبل الاقتراع ان بعض الجنوبيين سوف يموتون من الفرح . لم يصدق الشماليون ان الناس يمكن ان يمضوا الليل جوار صناديق الاقتراع لكي يصوتوا في الصباح الباكر مع انه لاحاجة لهم بذلك فايام التصويت اكثر من كافية . لم يصدق الشماليون اعينهم وهم يرون دموع الساسة الجنوبيين وهي تنهمركانها مندلقة من شلال. لم يصدقوا وهم يرون عامة الجنوبيين الخارجين من من مكان الاقتراع وهم يحضنون بعضهم البعض ويدخلون في نوبة بكاء حادة . لقد شاهد الشماليون المقترعين وهم يقبلون بطاقة الاقتراع ذات اليد الواحدة التي ترمز للانفصال قبل ان يرموا بها في الصندوق. بالطيع سيكون الفرح اكبر بعد اغلاق الصناديق ثم يتصاعد بعد اعلان النتيجة الاولية ثم يبلغ مداه ساعة اعلان النتيجة النهائية لايمكننا الان تصور ما يحدث في الثامن من يوليو القادم بعد اعلان الاستقلال النهائي ورفع علم الاستقلال . فان كان رفع علم الاستقلال للسودان الكبير في مطلع يناير 1956 ابكى السيد عبد الرحمن فان رفع علم استقلال دولة جنوب السودان في يوليو 2011 سوف يذهب باناس عاديين الي القبر من الفرح كما تنبا الدكتور لوكا بيونق. في تقديري ان الافراح الجنوبية غير العادية يجب ان لانمر عليها مرورا عابرا اذ لابد لنا من ان نسبر غورها ونكييفها تكييفا موضوعيا الامر هنا ليس له علاقة مباشرة بالجنوبيين انما بالنسبة لنا الشماليين اذ لابد لنا من فهم صحيح لهذة الدموع وتلك الافراح وعسى ولعل ان يكون في ذلك اصلاح لمسيرتنا مع انفسنا اولا مع الدولة الجديدة المجاورة لنا في المقام الثاني . القول بان هؤلاء الفرحين مغرر بهم او مخدوعين او معبائين ينم عن فهم سطحي ووصائي واستعلائي في نفس الوقت . القول بان الفرح هو فرح نخبة صنعها الاستعمار وغزتها المطامع الخاصة ينم هو الاخر عن عجز فكري فحتى لو كان هذا الفرح فرحة نخبة فقط لابد من ان يجد الاهتمام والفهم الصحيح. القول بانه فرح مصنوع وخدعة اعلامية لايمثل الحقيقة وفي نفس الوقت القول بانهم فرحين لانهم خرجوا من استعمار اسوا من استعمار فرنسا للجزائر لايعطي الحقيقة. القول بانهم اصحبوا مواطنين درجة اولى بعد ان كانوا مواطنين درجة ثانية وتخلصوا من ليل العبودية الطويل ايضا لايفي بالمطلوب . عزو الفرح للمستقبل بالقول انهم فرحون لان دولتهم دولة واعدة لانها غنية بالموارد الطبيعية ايضا لايشفي الغليل . القول انها الكراهية المستفحلة لايعطي التفسير الصحيح لان فرحهم ابيض غير مرتبط بحقد اذ ان بعضهم عبر عن حتى عن حبه للشمال وقال ان الشمال هو الدولة الام ونحن الدولة الوليدة ورغم ذلك قال انه لايستطيع التعبير عن سعادته بالتصويت والانفصال وبالتالي الاستقلال ليس هذا فحسب بل كثير من الذين غادروا الشمال للتصويت في الجنوب ودعوا جيرانهم الشماليين بالدموع رغم ان معظمهم كان يسكن في عمارات تحت التشييد والشماليين في شققهم المغلقة فقد نشات علاقات انسانية متخطية الحواجز الخرصانية . بعد ان يكفكفوا دموعهم وتتحرك بهم الناقلات يهتفون (الجنوب وييي ..الحرية وييي) العبد لله شخصيا لايدعي انه يملك الاجابة على هذا السؤال لكنه لايقبل الافتراضات اعلاه فمازلت مندهشا مثل غيري من الشماليين ولكن في تقديري ان البحث عن الاجابة يكمن في بنية الدولة التي كانت تربط بين الشمال والجنوب هذة الدولة بنيتها (مسوسة) فالي ان نثبت وجود هذا السوس من اين اتى وكيف تغذى وكيف تعملق وفعل بنا ما فعل , علينا الان ان نحترم افراح اخوتنا الجنوبيين ونبارك لهم فمن هنا نبدا. ولندع جانبا مستقبل الدولة الجنوبية والتكهن بنجاحها اوفشلها فهذا ليس موضوعنا انما نريد هنا ان نعتقل هذة اللحظة الراهنة لحظة الفرح الغامر المدهش دواعيه ودورنا فيه كشماليين وكيف يمكن تفاديه مستقبلا ليس لعودة من ذهبوا فحسب بل لبقاء من بدا يتململ وهنا من سؤال عرضي من يتململ على من ؟ اما عنوان المقال فهو عنوان لقصيدة كتبها شاعرنا الكبير محمد المكي ابراهيم بمناسبة توقيع اتفاقية اديس اببا 1972 يقول مطلعها( حين اغفت اعين البنادق الموت نام / نهض العشب بين الخنادق/ والزهر قام/ زهرة للهوى / زهرة للجنوب/ وزهرة للشمال الحبيب / وزهرة للتقدم والتنمية) ولكن ياعزيزنا وكبيرنا ود المكي هذة المرة الفرح في الجزء الجنوبي من حديقة الشوك القديمة فقط, فهل يمكن ان نعممه؟