وهم يحملون حلم الدولة الجديدة التي اصبحت قاب قوسين او ادنى، انطلق مواطنو مدينة جوبا امس في حماس منقطع النظير للادلاء بأصواتهم لوضع حد لعلاقتهم بالشمال الذي يصفونه بالمستعمر . وقبل ان تشير عقارب للساعة الثامنة صباحا موعد بدء الاقتراع، كان الآلاف من مواطني المدينة توجهوا للمركز منذ الثالثة صباحا وجزء اخر اكد انه قد قضى الليل كله الى جوار المركز حتي يكون اول المصوتين . ويبدو ان رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت ايضا لم ينم الليل فالرجل حضر الى مركز التصويت بمقبرة زعيم الحركة الراحل جونق قرنق قبل ربع ساعة من زمن التصويت، وحضر الى مركز الاقتراع الأمين السابق للامم المتحدة كوفي عنان والمبعوث الخاص سكوت غرايشن الي جانب جميع البعثات الدبلوماسية بجوبا ،والسفير الامريكي المرشح للدولة الجديدة رئيس منظمة كفاية الامريكية جون براندر غاست، والممثل العالمي الامريكي جون كلوني . وفي خطاب مقتضب عقب التصويت وجه سلفاكير الاجهزة الامنية بالجنوب لتأمين مراكز الاستفتاء والمواطنين الى جانب الاجانب والشماليين بالجنوب، ودعا الشمال لاتخاذ ذات الخطوة وحماية الجنوبيين بالشمال واعتبر انطلاق الاستفتاء اللحظة التاريخية لشعب الجنوب، وناشد المواطنين بالحد من التزاحم امام المراكز . دموع الفرح وبكاء ربيكا زوجة الراحل د جون قرنق مثلت حضورا امام مقبرة زوجها واختلطت ملامحها بالحزن والاسى وانكفأت المرأة على ركبتيها امام مقبرة زوجها واجهشت بالبكاء، وتحرك نحوها العشرات وقاموا باحتضانها على رأسهم وزير التعاون الاقليمي بحكومة الجنوب دينق الور، وشاركها البكاء وصرحت ربيكا بأنها سعيدة بوصول الجنوب لمرحلة الاقتراع للاستفتاء،وقالت بأنها حزينة بسبب المهمشين بالشمال في جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور،وشددت بضرورة العمل معهم لانهاء التهميش واعتبرت «هذه لحظة تحققت فيها رؤية جون قرنق وقيادات الحركة الذين استشهدوا معه، وقالت علينا ان الا ننسى من استشهدوا ايام الحرب ومنهم يوسف كوة» . وشهدت مقبرة جون قرنق -المكان الذي صوت فيه سلفا -حضوراً جماهيرياً منذ الساعات الاولى من الصباح، وانهمرت من اعين عدد كبير من المواطنين بجوبا دموع الفرح بميلاد الدولة الجديدة، وعلت الموسيقى والاغاني التي تبشر بالحرية وامتلأ المكان بالرقصات الشعبية . باي باي شمال جميع مراكز الاستفتاء بجوبا فتحت ابوابها عند الثامنة صباحا رغم ان صفوف المواطنين في تلك اللحظة امتدت على مد البصر، وشهدت اغلبية المراكز في اليوم الاول اقبالاً كبيراً لعنصر الرجال مقارنة بالعنصر النسائي الذي يمثل اعلى نسبة من المسلجين للعملية ب 52 % . وفي جولة ميدانية ل»الصحافة»على 15 مركز اقتراع في مدن واطراف جوبا لاحظت اقبالاً كبيراً على التصويت والتزاماً بالصفوف ،وشهدت المراكز مظاهر فرح اذ علت زغاريد النساء وتصفيق الرجال ،فكلما صوت احدهم وخرج لوح بيد واحدة «رمز الانفصال « على المتراصين بالصوف، وبعضهم كان يردد عبارات باي باي الشمال واخر يقول باي باي مندوكورو « في اشارة ايضا للشماليين « . ولم تشهد المراكز حتى اغلاقها اية مظاهر عنف ورصدت «الصحافة» سلوكاً حضارياً للشرطة المنتشرة امام المراكز مع المواطنين والمراقبين ولم يجد اي مراقب صحفياً كان او غيره اية مشكلة في اداء مهمامه فالدخول والخروج من المراكز تم بصورة سلسة. انفصال محسوم كل من التقته «الصحافة» بمراكز الاقتراع وقبل كل شئ يعلن بسعادة منقطعة النظير بأنه ادلى بصوته لصالح الانفصال، وتقول آيات وهي مواطنة جنوبية في عقدها الثالث وتحمل بين ذراعيها طفلتها ،انها تتمنى للجنوب ان يكون اكثر استقرارا وامنا، وان لايعود لعهد الماضي ،واكدت انها عندما صوتت كان كل ماتتمناه استقلال دولتها وتمنت ان تكون علاقات الشمال بالجنوب علاقات حسن جوار . اما جون الذي قضي سنوات عدة بالشمال بدا متناقضاً في حديثه، وقال ان الانفصال لايعني بالنسبة اليه اي شئ ولكنه سيصوت للانفصال باعتبار ان موت الجماعة عرس «ولو ناس كتير قالوا نصوت للوحدة حاصوت للانفصال برضو «، واضاف « انا داير الجنوب ينفصل سرعة عشان نتوحد بسرعة «، واكد ان علاقته بالخرطوم لن تنقطع وقال «الخرطوم ما حق زول « واردف « الخرطوم بلغة الدينكا اسمها كير تؤم يعني ملتقى النهرين « ووجه رسالة للشماليين، وقال «اقول للشماليين احنا ماشين ننفصل ومجبورين نخلي ليكم بلدنا لانو كلامكم كتر لان السودان كلو حقنا وهم كانو تجار جو البلد وزوجناهم بناتنا ومسكوها لانها اصلا ما كان فيها غير احنا والنوبة والفونج» . اما جودة الذي اتى لمركز الاستفتاء منذ الساعة الخامسة صباحا ولازال الصف امامه طويلا ليصل لصندوق الاقتراع ،قال انه جاء ليصوت للحرية ،ولتكون هناك تنمية في الجنوب.