الجري قبل الشوف قدله- مثل سوداني \" بقلم: محمد التجاني عمر قش - الرياض \" e-mail:[email protected] بعدما قضت أمريكا وطرها من نظام أبو رقيبة، فكرت في بديل يتولى الرئاسة التونسية و أوكلت المهمة إلى المخابرات الإيطالية التي وقع اختيارها على الجنرال ابن على الذي كان قد تلقى دورات عسكرية متقدمة في أمريكا، مما أغضب فرنسا لأن تونس من الدول الفرانكفونية. و كانت أولى زيارات ابن علي الخارجية إلى واشنطن ليتحول بعدها إلى حليف غربي ضد النشاط الإسلامي في شمال أفريقيا.فأحكم قبضته وبذل كل ما في وسعه ليفرغ المجتمع التونسي من ثقافته الإسلامية عبر ممارسات و قوانين معروفة للجميع. و الآن ترفض الدول الغربية مجرد استضافته ما يعني أن الاعتماد على الدعم السياسي و العسكري الغربي غير كافي للبقاء في سدة الحكم. إن خطأ الرئيس المخلوع هو عدم إتاحة قدر من الحرية يتناسب مع مستوى وعي و تعليم شعبه بل لجأ إلى القمع ولذلك كان معظم المحتجين من الطبقة المستنيرة مثل المحامين و خريجي الجامعات و غيرهم ممن كانوا يلوحون بشهادات لم تنفعهم شيئاً في وضع سادت فيه البطالة. ما حدث في تونس يمكن تكراره في كثير من بلدان المنطقة العربية نظراً لتشابه وتوفر العوامل التي أدت إلى تلك الهبة الشعبية العارمة. ولهذا السبب سعت بعض حكومات المنطقة إلى تهدئة الشارع بإصدار حزم من القرارات الاقتصادية. فمثلاً أوقفت مصر الزيادات في أسعار المواد الغذائية و الجمارك وفعلت ليبيا الشيء نفسه بينما أعلن الأردن عن دعم للسلع بمبلغ 225 مليون دولار أمريكي. تلك الإجراءات الاحترازية تدل على أن الدرس التونسي قد فُهم جيداً من قبل الآخرين. لم تأتي الانتفاضة التونسية من الجيش بل من المجتمع المدني مما يبقي جذوة الأمل حية في نفوس الشعوب العربية المغلوبة على أمرها. و ثمة أمر آخر هو دور الإعلام المتعاظم في تحريك الناس بناءاً على ما لعبته تسريبات وكي ليكس بشأن الوضع في تونس واصفةً نظام ابن علي بالفساد و المحسوبية، وأن المحتجين عليه هم من جيل الفيسبوك. إن ما حدث هو تغيير مأمون العواقب في مجتمع متجانس عرقياً و ثقافياً ويتمتع بقدر كبير من التمدن و الثقافة ويخلو تماماً من القبلية و الجهوية والشعور بالتهميش، إلا أن معظم المجتمعات العربية مثل السودان و المصر لا تحتمل مثل هذه الهزة العنيفة لما يوجد فيها من انتشار للأسلحة و احتقانات قد تفتت البلاد و تقود إلى فوضى سياسية تأتي على الأخضر و اليابس مثلما حدث في الصومال. لذلك المطلوب أخذ العبرة من تونس ووضع حلول جذرية عاجلة لما تعانيه الشعوب من ضنك و مشقة، و \" الجري قبل الشوف قدله\".