غرس الوطن إلى المتجبرين الغاصبين :يا حافر حفرة السوء وسع مراقدك فيها أم سلمة الصادق المهدي نهنيء الشعب التونسي العظيم لنجاحه العظيم في ركل زبانيته المتسلطين على مدى 23 عاما ونهنئه على تلقين الطغاة درسا عابرا للحدود أرجفهم وزلزل أركانهم بالانتصار الذي تُوج في الجمعة المباركة في14 يناير 2011 ،هو درس مجاني للطغاة -لو كانوا يعلمون في كل بقاع الدنيا وأكثرهم عربي ومسلم وأفريقي فأكثر الطغاة هم من بني جلدتنا للأسف، بل بهذا المعنى فإن الطغيان يكاد أن يكون رجلاً سودانياً! ولذلك تجدنا من أكثر الخلق فرحا واحتفاء بذلك النصر المبين الذي بث في الجسد البالي الروح وأشعل فيه فتيل الأمل المتقد : بأن الخير فيّ وفي أمتي حتى قيام الساعة ، إذ أعاد لذاكرتنا الجمعية ما اعتبرناه تكرارا لفعل عظيم تمّرسنا في فعله في الماضي المشهود :في اكتوبر الأخضر1964 وفي ابريل المبارك 1985 لتحرير إرادة الوطن من شموليين سرقوا خيره، وشخصيا رأيت فيه ثورة من أجل الكرامة وليس الخبز فإن كان السبب المباشر هو ارتفاع الأسعار واستحالة العيش فتونس حالها أفضل من حال كثير من البلدان المماثلة ولكنها هبة من أجل حق كفله الخالق لعباده فلا يرضى لهم الذل ولا استعباد الحكام وقد خلقتهم أمهاتهم أحرارا، وقد ذكرتني الهبة التونسية ،بهبة أب استقلال السودان الإمام عبد الرحمن الذي أقلقه ما جاء في اتفاقية 1936م بشأن السيادة على السودان و التي لم يترك فيها من حق للسودانيين سوى «الرفاهية» واستفزه أن الخديوية المصرية حددت المصير السوداني كإقليم تابع لمصر معتبرة المهدية تمردا انتهى بدخول الجيش المصري للسودان، فقرر السفر لانجلترا لاستيضاح المسئولين عن تفسير «الرفاهية» قيل له أن الرفاهية تعني:الرقي المادي والأدبي في جميع جوانب الحياة فرد عليهم قائلا: «إذا لم تبلغ الرفاهية في تفسيرها بالإنسان مرتبة الحرية والإستقلال فانها لا تختلف كثيرا عن رفاهية الحيوان» و»لا رفاهية بغير حرية ولا رقي الا بالإستقلال والموت في سبيل الإستقلال خير من حياة الذل والعبودية»،(فيصل عبدالرحمن علي طه،الحركة السياسة السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان 1936-1953) وقد كان هذا هو نصيب التوانسة على مدى 23 عاما من معاني «الرفاهية» رقيا ماديا وأدبيا في جميع جوانب الحياة - قل أو كثر فحاجتهم كانت للرفاهية بتعريف الإمام عبدالرحمن التي تبلغ بالإنسان مرتبة الحرية والإستقلال وقد قالوا لا لرفاهية الحيوان في جمعتهم تلك. وللجيش التونسي تعظيم سلام فذلك الموقف النبيل الذي انحاز به الجيش للشعب هو»نقطة التحول الرئيسية التي تخشاها الأنظمة، بل تُرعبها، من حيث الانحياز إلى الشعب، ورفض إطلاق النار على المنتفضين،)أو كما قال عبد الباري عطوان في مقال له عنوانه:(لا أصدقاء للرئيس المخلوع) ويستمر قائلا في مكان آخر :(فهذا الجيش الذي انحاز إلى الشعب، ورفض ان يوجه بنادقه اليه، مثلما رفض ان يكون حارساً للفساد والقمع ومصادرة الحريات، يستحق ايضاً الشكر والتقدير، وقدم بذلك درساً للجيوش العربية الأخرى التي انحرفت عن دورها الوطني وتحولت إلى أداة قمعية يستخدمها الحاكم الديكتاتور لقمع شعبه، وتثبيت دعائم فساده،عبد الباري عطوان بعنوان:(شكرا للشعب التونسي) فهو جيش يعرف أن مهامه في الأساس حماية الشعب والزهد في الحكم، أما في السودان فقد اعتبرنا أن يوم الجمعة 14 يناير فألا حسنا أهدانا إياه الشعب التونسي المبدع إذ في ذات اليوم عصرا كان موعدنا مع حدث يذكر ،فقد كانت فيه في إطار الحملة التعبوية جمعتنا جامعة وندعو ربنا أن تكون دعوتها سامعة بأن يشفي الله صدور قوم مؤمنين لأنها دعوة لصلاح الوطن ولإصلاح الدين، في عصرها اكتظ، ميدان واسع وسط الجزيرة أبا حول مقصورة سرايا الإمام عبد الرحمن(جامعة الإمام المهدي حاليا) عن بكرة أبيه بفيض من الناس يهدرون (لا تنازل بل نزال معاك يا الصادق نساء ورجال)، وقد خاطب الإمام الصادق الحشود المتشوقة بإيجاز فالمغرب (الصلاة) على وشك الوجوب ومغرب الوطن كذلك حان وقوعه، إن -لم نتحزم ونتلزم - كما قال الإمام قبل فوات الأوان فقد رفض الممسكون بقياد الوطن كل نصح بذل لهم لتدارك الأخطار وانتهى وقت الكلام . كان حديث الصادق في خلاصة ذكية ترمي لإيضاح أن جهدهم قد بذل فوق الطاقة خوفا على الوطن من تمزق ومن ضياع فهم أم الجنى وهم حراس مشارع الحق وقد كانوا يحتملون الأذى وجهل الجاهلينا بحلم هو أقرب إلى صبر الأنبياء خوفا على جناهم ورفقا عليه فقد كان واضحا أن مجابهة عنف النظام بالعنف أو حتى بإقصاء الخطائين مهما كانت النوايا سيؤدي بالبلد وقد كان الغرض دائما السعي من أجل تغيير يرضخ له المؤتمر الوطني بحيث يتم استيعاب الكل في منظومة الحل - وقد أدركوا أخطاءهم، دون عزل، ثم الانصراف معا لحل قضايا الوطن الشائكة بروشتة يتوافق عليها الجميع ،لكن ذلك السيناريو اللطيف الوقع على مفاصل الوطن الهشة المنهارة بدا الآن غير ممكن فقد أظهر القابضون على مفاصل الوطن انفرادا وعنادا لا يمارى ولم يجد معهم حتى تسونامي انفصال الجنوب الذي يرونه عبئا تم التخلص منه بقول رأس الدولة ولذلك فإن آخر الكلام عندهم عدم التنازل(دُت)بقول الصادق عن موقفهم، ودون تجاوب النظام ليس في الجراب سوى قرار الإطاحة، وقد تفاءلنا بيناير الشهر الذي قامت فيه انتفاضة تونس المباركة أيضا فهو زمان انتفاضات الكرامة عندنا في السودان إذ تحرر السودان على يد الإمام المهدي في 26 يناير 1885 وتحرر السودان ثانيا في الفاتح من يناير 1956 على يد الإمام عبد الرحمن المهدي . أما المكان الذي استضاف اللقاء فقد كان أيضا فأله حسنا وبشرى، فقد كان اللقاء في الجزيرة أبا وللجزيرة أبا تاريخ موسوم بالنصر للثورات فقد كانت انطلاقة لشرارة المهدية الأولى في 1881 وناس الجزيرة معروفون بجينات الكفاح والنضال ضد الظلم وضد العنجهيات وهي بعد حتى سبعينيات القرن الماضي كانت مثل مدينة افلاطون الفاضلة التي حلم بها فقد سكنها أنقياء أطهار جعلوا الشرطة بلا عمل دون حاجة لنظام عام وقد كانت أبا مهدا للطور الثاني للمهدية بقيادة الإمام عبد الرحمن -ود المهدي الذي قصدته جموع الأنصار من كل أنحاء السودان وشتى قبائله مبايعة و معاهدة في شأن الدين وفي شأن الوطن فكانت موطنا لنهضة اقتصادية رسالية قل مثيلها وهي بعد بوتقة حقيقية لانصهار حقيقي بين كل قبائل السودان نموذجا كرر ما كانت عليه امدرمان الأولى في 1885 ولم تعقر نساؤه ، رجوعا لما كنا نقوله عن عدم تزحزح الإنقاذيين عن مواقف الإنفراد والعناد مهما بذل لهم من نصح ومهما كانت مهددات الوطن - إن أخذنا الحانوتي وحده مثالا لذلك الإنفراد والعناد، لاكتفينا به دليل أبلج، على عدم الجدوى من انتظار استجابة (الوطني ) لما ينفع الوطن تماما مثل النفخ في قربة مقدودة فها هو يغالط حتى الأمس القريب ، في برنامج المشهد الذي تم بثه من تلفزيون السودان القومي يوم الاثنين 17 يناير 2011 بشهود السيد الصادق الرزيقي (منبر السلام العادل!)وأستاذ النور احمد النور(رئيس تحرير الصحافة) وما زال الحانوتي يروج للمشروع الحضاري الذي شبع موتا كأنما يحدث حضورا من عالم آخر لا يعرفون ما فعله مشروعهم الحضاري بأخلاق الناس وسلوكهم (ارتفاع الجريمة والعنف نوعيا وعدديا ،ارتفاع أعداد اللقطاء يأتي حيث بلغ عدد أطفال الخطيئة حسب محي الدين الجميعابي في منبر طيبة برس في أكتوبر 2009، 09% من مجموع أطفال السودان) وكيف أن أهل المشروع الحضاري باسمه سرقوا وأفسدوا حتى قال عراب الإنقاذ إن الفساد طال أكثر من 9 من 10 من أهل الانقاذ وقال الشيخ يس عمر الإمام بأنه يخجل من أن يدعو الناس للإسلام حتى في المسجد القريب من داره وقال المحبوب عن التزوير وفنونه وقال آخرون بلا عد ولا حصر عن تجاوزات هي كذلك بلا عد ولا حصر في أبشع إساءة منظمة لديباجة الإسلام ،لكنه لا يعير تلك الشواهد الموثقة بالا، بل يمضي بذات النبرة الآحادية التي تمتدح ميشاكوس البروتوكول الذي أفرز انفصال الجنوب دون أن تهتز له شعرة -إذ اقتسم مصير الوطن في قضية الدين بين الحركة الشعبية وقد أفرد لها الجنوب وبين المؤتمر الوطني الذي أفرد له الشمال كأنه ضيعة أورثها له آباؤه ليطبق فيه إسلام الطواريء وشريعة سيء الذكر نميري» البطالة «، وهو يرى بقول مقدم البرنامج أن ليس بالإمكان أحسن مما كان ويتحدى الأحزاب إن كانت ستقدم شيئا أفضل مما قدموه هم من أجل الوحدة بل يتفاخر بتلك الإنتخابات المرجوجة المخجوجة التي عرف عيبها القاصي والداني، ويقول طريد الماطوري أن تلك الأحزاب التقليدية انسحبت من الإنتخابات لفقدانها التأييد الجماهيري!فما تكون إذاً تلك الأمواج البشرية التي تدفق بها الإقليم الأوسط من مدني حتى سنار وكوستي إلى الجبلين وقد كان ذلك أثناء طواف الإمام الصادق ضمن حملته الإنتخابية الرئاسية الماضية، الرحلة التي لم يتح الزمن الضيق سواها ، وقد كان تدافع الجماهير المتشوق (ليس لركب الصادق وحده بل كل مرشحي الحزب في كافة بقاع الوطن وجدوا ترحيبا مماثلا ) هو السبب الأول في الحماسة المندفعة - برغم شح الإمكانات- لخوض الإنتخابات التي عُرف فسادها ولو بنسبة 30 % نزاهة! وقد رأينا في الماطوري التي طردت الحانوتي ما يعرفه هو قبل الآخرين من استقبالات غير مسبوقة تلهج ب(لا تعريفة ولا ملين نحبه امام الدين) وإن تركنا براهين الأمس لحال سبيلها فكيف نعمى عن جماهير يوم التعبئة العظيمة التي تدفقت كموج البحر في أبا في الجمعة القريبة حتى فاضت بها الميادين؟ ولكن يكذب المرء ويكذب حتى يصدق نفسه فيكتب عند الله كذابا،والعياذ بالله، أما تلعثمه عند تذكيره بل قل تحذيره من النموذج التونسي فقد سجلته الكاميرا بالبث المباشر رغم الإدعاء بأن النموذج التونسي لا يخيفه والتفافه على السؤال بالإساءة للأحزاب ! ، ولو تركنا الحانوتي وعرجنا على الدبلوماسي الأول في الدولة والذي تقتضي مهنته عكس وجه مشرق لوطنه لوجدناه غير مهتم أصلا بنبض الشارع ولا بمطالب ناسه وكل همه هو نيل المكافأة الأمريكية الفورية على نجاحهم في إجراء إستفتاء سلس يؤدي لفصل الجنوب دون تحسر! وقد ألح في طلبه للأمريكان بمباشرة مبتذلة (وأشار كرتي إلى أن الوقت ملائم لإجراء مثل تلك الحوارات(بينهم وبين الأمريكان) أكثر من السابق سيما بعد إيفاء السودان بكآفة إلتزاماته تجاه إتفاقية السلام ،لافتاً الى أن السودان يريد الإستفادة من النظرة الإيجابية لتحسين علاقاته مع أمريكا ، لمناقشة كيفية معالجة الديون السودانية وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين ،ورفع التمثيل الدبلوماسي مع الولاياتالمتحدة، بالإضافة للمساعدة في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ورفع العقوبات الإقتصادية ومناقشتها بالتفصيل ،وحدد منتصف نوفمبر القادم لاستكمال الحوار حول الرؤى المطروحة ،موضحاً أن مخرجات اللجان ستساعد في وضع جدول زمني في متابعة القضايا ورفع ما وصفها بالتكاليف العالية التي تقع على كاهل السودان نتيجة العلاقات السيئة مع الجانب الأمريكي )، ثم ألحف في السؤال بصورة يندى لها الجبين الحر واعتبر أن (السبت)الذي قدموه للأمريكان ،كافيا للمكافأة دون قيد أو شرط جديد (وشدد كرتي على أن أمريكا ،إن كانت ترغب في علاقات ثنائية جيدة مع السودان ،عليها الا ترهن ذلك بقضية السلام في دارفور، وقال في تصريحات للصحفيين » طلبنا منهم صراحةً بأن يكون تعاملهم في ملف دارفور هذه المرة عبر العمل سوياً من أجل الوصول للغاية التي يطالبوننا بها منفردين »،الصحافة فقف وتأمل عزيزي القاريء هذا الانحناء الذليل للأجنبي وذلك التعالي المتكبر على بني الوطن وهذا اللعب بالبيضة وبالحجر! أسلفنا بقول إن عروض التراضي الوطني بارت عند الإنقاذيين ولم تجد نفعا ودللنا على شواهد وصولها إلى طريق مسدود وأوضحنا أن الحرص على وحدة السودان كان يكبح كل معالجة (بالسنون) أو فيها إقصاء للخاطئين لو اعترفوا بالأخطاء،،، ، أما الآن وقد بدأت كرة الثلج في التدحرج بعد انفصال الجنوب الذي صار في حكم المؤكد حسب ما رشح من خبر الاستفتاء ووقع المحظور فما عاد من مبرر لمحاولات التغيير التي تشرك الرافضة وقد أصروا على الرفض واستكبروا استكبارا وقد صار ذلك الحرص على وحدة السودان هو الدافع الآن لوضع حد لنظام يعبث بمقدرات الوطن، ولا بد من إيقاف كرة الثلج المتدحرجة وتعطيل مسارها ولا بد من قول فصل للحفاظ على ما تبقى من وطن! ولو أرخى المستبدون آذانهم شيئا ما ،لسمعوا الهدير الذي تنذر به الأصوات من الجزيرة ومن مدني ومن سنار ومن الكاملين ومن كل مكان ،، ولتملكهم الذعر الذي أصاب بروجي هكس باشا في جردة الشكابة حين اعتلى الشجرة ليرقب جيش الإمام المهدي فلما رأى الجيش، صار يهذي ويهرف :أرى جيشا في الشمال،، وجيش في اليمين، جيش يخرج من تحت الأرض ،،و جيش ينزل من السماء جيش في كل مكان،،فما كان من هكس إلا أن أمر بإسكات هذا الصوت المرتجف الذي أحبطت إشاراته المطربة روح جيشه المعنوية، قلنا لو أرخو السمع لسمعوا،ولكنهم لا يسمعون بل يهزءون «فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون» القلم 44 وسلمتم الصحافة