هناك فرق. في السلب والاستلاب..!! منى أبو زيد كان الطيب ود ضحوية، عائداً من إحدى غاراته - بعد أن سلب بعض الأعراب إبلهم – عندما صادف في طريقه بيت عرس، فأعجبه رقص إحدى الحسان.. وطفق يبشِّر ويأخذ الشبال.. وبينما هو على حاله ذاك، أقبل عليه أصحاب تلك الإبل، فأنشد مخاطباً الحسناء الراقصة (عومي ونسِّفي الفوق الفنايد ندَّى .. ما ترمينا بي عرباً كتالهم هدَّه.. بتشوفي نبانا وكتين الضراع يتمدَّ.. عودي الرقصة عقبان السما الينقدَّا)..! هكذا استهتر الرجل لم يدخل عالم الهمبتة طمعاً في المال - بل افتتاناً بقصص البطولة التي تحكى عن فرسانها – بالمعركة القادمة، ذلك أنه لا يرى في ذاته لصاً.. فهو لا يتخفى عندما يسرق، ولا يخون من أكرمه وأطعمه، ولا يدخر المال المسلوب، بل ينفقه على الضيفان والبنات.. هو باختصار صاحب موقف وجودي، يمتزج فيه نبل المقاصد بشرور الأفعال..! وعند منعطف النبل والشهامة وشرف الخصومة يلتقي شعر الهمبتة العربي بروايات أرسين لوبين الأوروبي.. الأمر الذي (يؤنسن) فكرة انتماء بعض المارقين على قوانين البشر، إلى ذلك الخط الرمادي الهائل، الذي يسكنه الخير ويحده الشر من جميع الجهات..! فعلى الرغم من سطوة قوانين العصر، ما يزال هنالك خارجون على القانون، يفلسفون شرورهم على نحو ما.. ومن هؤلاء لص بلجيكي مخضرم أصدر – قبل شهور – كتاباً في أدب اللصوصية، بعنوان (دليل خمسين بيت يستحق زيارة قصيرة)..! الرجل حرامي بيوت اسمه (يافس بوبن).. ولكنه ليس لصاً عادياً بل حرامي عنده مبدأ، وصاحب رؤية فلسفية.. فهو لا يسرق الفقراء.. ولا أصحاب الدخل المحدود.. بل يسرق الأغنياء فقط.. وهو بذلك يسير على نهج اللص الشريف (أرسين لوبين).. ولكن مع تعديل إجرائي طفيف..! فبينما يعيد أرسين لوبين صياغة الهرم الاجتماعي على طريقته، من خلال سرقة أموال الأثرياء وتوزيعها على الفقراء.. يكتفي السيد (بوبن) بتطبيق الشق الأول من نظرية (لوبين) والمتعلق باقتصار السرقة على منازل الأثرياء.. أما الشق الثاني (إعادة تقسيم الثروة على الفقراء) فلا يشمل توجهاته المهنية..! الكتاب الذي ألفه (بوبن) هو دليل لأكثر من خمسمائة بيت راقي يستحق أن يقوم اللصوص بزيارتها من باب إجراءات التنظيف.. والتنفيض.. صحيح أن مصطلح الزيارة القصيرة قد يكون بريئاً في الظاهر.. إلا أن ماضي مؤلف الكتاب الحافل بالسرقات - حيث تمت مقاضاته في أكثر من (سبعين) جريمة سرقة أُدين في (أربع وأربعين) عملية منها - يضع العنوان في معناه الصحيح..! صاحب الكتاب يقول بأنه يحتقر – وبشدة! - اللصوص الذين يسرقون الفقراء، لذا فقد اقتصر كتابه على وصف دقيق لبيوت الأثرياء.. مع وصف لأنجح الطرق لزيارتها والخروج منها بسلام وشرف..! وهو كما ترى.. ذات المنطق الفلسفي الجذاب الذي يضع أكل أموال الناس بالباطل في إطار مبادئ وأخلاقيات المهنة.. ف (الدرب البجيب كمش القروش مو هيِّن.. وما بمشيهو ديك بيتو أب جليداً ليِّن).. أو كما قال قائلهم..!. التيار