مازلت أذكر حين كانت العيون «بكامل قواها البصرية» ولا يمر يوم إلا وأقرأ كتاب.. ومن الكتب التي بدأت قراءتها... كتب «أجاثا كريستي» و«أرسين لوبين» اللص الظريف.. وهي روايات أشبه ما تكون بفكرة «روبن هود».. الذي يسرق الأغنياء ليعطي الفقراء.. أو يستخدم مهارته في السرقة ليعيد حقاً لمظلوم.. وكثير ما ترك في منزل الضحايا نقود بعد أن يتأكد من أنهم معدمين.. استوقفني خبر أن أحد اللصوص- وكان يمر بضائقة مالية صعبة-والأبواب أمامه موصدة.. فشرع في سرقة أحد المنازل، وقبل أن يكمل مهمته لاحظ تسرباً للغاز يعم المكان.. وكل سكان المنزل في حالة إغماء.. فماذا فعل اللص؟ هل استغل الظرف وسرق بمزاج كل ما وقعت عليه يده، وهو مطمئن أن لا أحد سوف يهاجمه أو يكتشفه؟ لا.. لقد تحركت في نفسه بواعث الخير.. وطغت على الشر.. فأسرع بفتح النوافذ.. وإغلاق مصدر التسرب، لا بل استغاث بالجيران وهرع لنقل المصابين إلى المستشفى لإنقاذهم.. وبقى معهم حتى إطمأن على إكتمال شفائهم.. وسلم نفسه للشرطة التي أخذت إفادته بكثير من العجب...!! هل انتهى الدرس.. لا لم ينتهِ.. لقد أقسم ألا يعود للسرقة... وتكفلت الأسرة بكل احتياجاته.. وصار صديقاً مقرباً.. بعد أن أنقذهم من موت محقق! والدرس يقول.. إن اللصوص بشر.. والقتلة أيضاً.. وكل المجرمين.. لا يمكن أن يكونوا مجردين من الإنسانية والرحمة مهما بلغت بهم القسوة.. والغفلة.. «والران في القلب»..يتكالب على هذه النفس الأمارة بالسوء... والهوى ويقل الوازع الضميري والديني والأخلاقي... وقد تؤثر الظروف والبيئة المحيطة والنشأة.. وتدعم تلك المؤثرات فيجنح «المجرم» وتنزع نفسه نحو الشر والخراب.. والأذى.. ولكن بدون أن تطفأ كل نقاط الضوء الموجودة في داخل الإنسان.. دون أن يصل القلب حد الموات.. دون أن تتوه معالم الخير والرحمة والإنسانية.. زاوية أخيرة: الإنسان بين الخير والشر إلى يوم القيامة.. وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها.. نظل بين الهبوط نحو الطينة البشرية وبين الإرتقاء إلى روحانيات تجعلنا نحلق كالملائكة.. «هكذا الإنسان»!!