[email protected] حملت الأخبار أنباءاً عن تظاهرات متفرقة في أمدرمان والخرطوم. ولأنّ الدعوة الى الثورة على نظام الخرطوم قد ملأت بعض المواقع الإلكترونية، فإنّ الحديث عنها لا بدّ أن يمر على العقل أولاً، حتى لا نصحو ذات صباحٍ لنجد وضعنا كوضع المصريين وهم يفقدون أرواحهم وممتلكاتهم، ويفقدون أهم عناصر الحياة... وهو الأمن من الخوف. وفي تقديري أنّ معالم الثورة (مثلما حدث في تونس ومصر) لم تكتمل بعد في السودان، رغم غلاء الأسعار ورائحة الفساد وخراب الذمم... بيد أنّ هذا الحديث لا يعجب الكثير من القراء، خاصة قراء صحيفة الراكوبة الإلكترونية المحترمين، وقراء موقع النخبة السودانية، وسودانيزاون لاين، والفيس بوك الذين شمروا سواعدهم للخروج للشارع. وقد كتبتُ - من قبل - عن هذا الأمر حينما كانت هناك رقابة قبلية من قبل جهاز الأمن على الصحف... ولم يجد المقال حظه من النشر، وقد لا يجد حظهُ هذه المرة أيضاً. هناك سببان لعدم خروج المواطنين للشارع بذات الطريقة التي حدثت في تونس والقاهرة... لإقتلاع الإنقاذ. السبب الأول هو أنّ البديل غير جاهز، والبدائل المعروضة أمام الجماهير هي بدائل مُجربة من قبل ولم تكن نتائجها أفضل حالاً لهذا الشعب الصبور. فالإمام الصادق المهدي، وهو رجلٌ نقدرهُ ونجلهُ، ما زال – رغم مرور السنوات – يتردد كثيراً في إتخاذ القرارات، ويرجع دكتور الطيب زين العابدين هذا الأمر لطبيعة الرجل كمُفكِّر أكثر من كونه سياسي، فالمفكر يحتاجُ للوقت لكي يُقلِّب الأمور ويرى كلّ جوانبها، بينما السياسي يتخذ قراره ويركب الموجة. أضف الى هذا أنّ الإمام له أبوابٌ خلفية مفتوحة مع الحزب الحاكم، وله علاقات مالية طيبة به، وبالتالي فإنّه (قد) لا يغامر بخوض ثورة ضدهُ. أمّا السيد محمد عثمان الميرغني فقد حسم هذا الأمر، وفتح جيوبه للحكومة، وبالتالي فتح أذنيه ايضاً لما تقول، وهذا سرٌ أفشته الإنتخابات السابقة. والترابي، ليس بديلاً مقبولاً، فهو الذي صنع هذا الحكم، كما أنّ الكثير من المواطنين صاروا لا يثقون بنواياه، بجانب الإعتقاد بأنّه يتحرك سياسياً في العمل المعارض من منطلقات (غبن) شخصية مع الحكومة. ومن على البعد يقف الأستاذ محمد إبراهيم نقدن والذي أصبح أكثر استسلاماً من ذي قبل – رُبَّما بعامل السِن - ويكفي أنّه قال في برنامج (بابكر حنين) وكان مطلوباً منه أن يقدِّم برنامجه الإنتخابي كمرشح لرئاسة الجمهورية، قال :(طبعاً البشير ح يفوز... ح يفوز)، ورغم أنّ البعض قد ينظر لما قاله نُقد على أنّها واقعية سياسية، إلا أنّ المقام كان مقام (تنافس). في تونس كان الأمرُ مختلفاً، فهناك الكثير من القيادات غير المُجربة، ومثل ذلك في مصر، حيث البرادعي وآخرين،لكنّ القيادات السياسية السودانية حظيت بالتجريب، ولم تصنع سوداناً يحقق طوحاتنا. السبب الآخر – للأسف الشديد – وهو نتيجة وليس سبباً... نتيجة ترتبت على مظاهرات مقتل قرنق في 30 يوليو 2005، و الأحداث التي تلتها، والتي أورثت المواطنين العُزّل خوفاً وهلعاً. مضافاً الى هذا ما حدث في 10 مايو 2008م، حين داهمت حركة العدل والمساواة مدينة أمدرمان، وما تبع ذلك من خوفٍ وهلعٍ وسط المواطنين. هذين الحدثين – وبكلّ أسف – اورثا المواطنين شعوراً غريباً بصراع سياسي/عرقي قد يكونون ضحيته بلا ناقة لهم فيه ولا جمل. وترتب على ذلك شعوراً عاماً بأنّ أيِّ تغيير سياسي هو أمرٌ غير مضمون النتائج، بل هو مغامرة غير آمنة، وأنّ ما حدث في تلك الايام قد يعودُ بصورةٍ اسوأ وأكثر دموية، مع وجود معلومات مهمة، وهي أنّ السلاح في أيدي المواطنين صار أكثر توافراً من ذي قبل. فها هو والي الخرطوم الذي بدأ برنامج (الخرطوم خالية من السلاح) والذي هدف لنزع السلاح من أيدي المواطنين، (وكُنّا قد عارضنا هذا المشروع في حينه). قال الخضر (أنّ ترخيص الاسلحة الشخصية في الولاية، زاد بنسبة 400%عما كان عليه من قبل الحملة). وهل من مواطنٍ آمنٍ... يتسربلُ بمشاعر الإستقرار يسارع الى إقتناء الأسلحة؟؟؟. صحيفة التيار