حديث المدينة إقالة..!! عثمان ميرغني وأخيراً.. صدر قرار جمهوري بإقالة البروفيسور مصطفى إدريس من منصبه مديراً لجامعة الخرطوم.. القرار كان متوقعاً منذ أن كتب مصطفى مقالاته الشهيرة في صفحات \"التيار\" ووجه فيها نصائح للدولة... ورغم أن (الدين النصيحة) إلا أنها أحياناً كافية لصياغة مثل هذه القرارات.. وطبعاً بدهي أن البروف مصطفى لن يفقد شيئاً.. فهو لم يقفز للمنصب من منصة سياسية.. أو بحكم صلة الدم والصداقة بكبير أو عزيز.. ولكن في المقابل ستفقد الجامعة رجلاً يملك ضميره.. ولا يقتات من (عرق لسانه).. كل ذنب البروف.. أنه مارس ديمقراطية الخدمة المدنية.. وتذكرون أنني كتبت هنا كثيراً أعيب على الناس والأحزاب ظنها أن الديمقراطية هي (عملة سياسية).. لا.. من أهم منابع الديمقراطية (الخدمة المدنية).. أن يأمن الموظف العام على نفسه ووظيفته طالما لم يخالف القانون.. حتى ولو خالف رأي من هم فوقه.. بغير ذلك تصبح (الخدمة المدنية) ضرباً من (الرق الوظيفي).. استعباد الضمير، عندما يبلع الموظف العام لسانه وضميره خشية أن يفقد الكرسي والمرتب الشهري.. فيتمدد الفساد ويتفرعن.. ويصبح كل موظف في \"الخدمة المدنية\" مخير بين أن ينحني لواجبه وضميره.. أو ينحني ليلعق حذاء مديره.. وتتحول الخدمة المدنية إلى مشروع (إعاشة) ضخم.. يفيض بالنفاق والارتزاق والملق. كتبت لكم قبل هذا عن ما ورد في كتاب الصحافي الأمريكي الأشهر () الذي اشتهر بتحقيقه الصحفي الذي أطاح بالرئيس الأمريكي نيكسون بعد كشفه لفضيحة \"وتر قيت\"..في كتابه قبل الأخير \"State of denial\" حكى قصة ضابط برتبة عقيد في وزارة الدفاع الأمريكية.. رفض تسليم تقرير عسكري لوزير الدفاع (رامسفيلد).. بحجة أن نظم العمل لا تسمح بذلك.. فلم يستطع وزير الدفاع أن يفصله أو ينقله إلى (جبل الطينة في دارفور).. كل الذي فعله أن رفع الأمر للرئيس بوش وطلب تعديل اللوائح ليسمح لوزير الدفاع بالاطلاع على مثل هذا التقرير.. لأن (السيستم) في مثل هذه الدول الديمقراطية لا ينافق الكبير ولا الصغير.. ويوفر حصانة للموظف العام طالما التزم بالقانون والنظم واللوائح.. صارت هذه الدولة كبيرة.. تحكمنا وتدير شأننا وتتصدق علينا بالاغاثات.. لا سبيل للخروج من دائرة الفقر والتخلف الذي نكابده إلا بإصلاح الخدمة المدنية.. لكن إذا كانت مؤسسة وطنية عامة في مقام جامعة الخرطوم.. الجامعة التي صنعت أجيال السودان من بواكير القرن العشرين وحتى اليوم.. والتي يوقرها كل سوداني لأنه رمز العلم والوطنية .. وفي كنفها ولدت ثورة أكتوبر.. إذا كانت مثل هذه المؤسسة الرفيعة لا يملك مديرها أن يمد بصره إلى عورات السلطة ويرفع صوته بالنصيحة .. فمن يفعل ذلك؟؟. التيار