[email protected] كنت أسميه الخبير الغاضب لأنه دائماً ما يكون منفعلاً وهو يحلل الحالة السودانية ، فالدكتور هاني رسلان هو من النخبة المصرية التي أهتمت بأزمات مصر الخارجية ، فهو كان مهتماً بالملف السوداني وقد أوصلنا لقناعة حاسمة بأن الصراع سوف يحدث في الجنوب بعد تحقيق الإنفصال ، وبأن إسرائيل سوف تلقي بخيلها ورجلها في الجنوب لتطوّق مصر من هذه الناحية ، وبالنسبة لأزمة مياه النيل فهو كان يعتقد بأن مصر سوف تتدخل عسكرياً داخل الأراضي الأثيوبية من أجل حراسة مصالحها . كان هاني رسلان صديقاً لرجال الإنقاذ وتربطه علاقة خاصة بكل من الدكتور نافع وعلي كرتي ، ما بعد عام 2000 لعبت مصر بقيادة حسني مبارك دوراً بارزاً في تقوية نظام الإنقاذ وتخذيل نشر الديمقراطية في السودان ، وهذا التخذيل يعود إلى ما قبل عام 2000م ، فكلنا نذكر أن طائرة حسني مبارك هي أول من هبطت في مطار الخرطوم عام 1989 لدعم الإنقلاب الذي قاده العميد البشير ، مصر في عهد حسني مبارك لعبت دوراً أساسياً في إعاقة عمل المحكمة الجنائية الدولية ، وقد ساندت البشير إعلامياً ودبلوماسياً ، فكل من حسني مبارك وعمر سليمان وعمرو موسى وأحمد ابو الغيط تناوبوا على زيارة الخرطوم وهم يقدمون النصح والمشورة . في عهد حسني مبارك تم إهتضام مثلث حلايب وتمصير سكانها بالقوة ، فقد استغلت الحكومة المصرية الخناق المفروض على حكومة المشير البشير من قبل المجتمع الدولي فمارست \" البلطجة \" في حلايب ، والثمن الذي قبضه حزب المؤتمر الوطني هو الوجود الدبلوماسي الكثيف في القاهرة ، وكلنا رأينا بأعيينا كيف هجمت الشرطة المصرية على اللاجئين السودانيين في ميدان مصطفى محمود عام 2005 ، فقد قتلت النساء والأطفال تحت حجة محاربة الرذيلة والأيدز ، فقد اثلج ذلك صدر نظام الخرطوم والذي أعتبر أن بطش الحكومة المصرية بمواطنيه هو حق مكفول للدولة المضيفة ، فمصر تعتبر السودان حديقة خلفية ، وفي مباراة مصر والجزائر هددت مصر بإستخدام جيش 6 إكتوبر لتحرير المشجعين المصريين من ربقة الجزائريين ، كان إبراهيم حجازي يحرّض علاء مبارك ويطلب منه رد إعتبار مصر لأن علمها تم تدنيسه في أمدرمان . والآن تغير المشهد ، أنتقلت عدوى التفكك والتشرذم إلى داخل مصر ، وما يُمارس الآن في ميدان التحرير هو أشبه بالأفلام التاريخية ، وقد دُهشت وأنا أرى الخيل والجمال وهي تتقدم تجاه الحشود المعارضة لمبارك ، ثم بداية المعركة بين الجانبين على طريقة braveheart" \" للممثل ميل غبسون ، وما يحدث في مصر هو النموذج المؤلم للصراع بين فتح وحماس ، وقد بدأت وسائل الإعلام الأجنبية التي تغذي هذا الصراع تتحدث أن للأخوان المسلمين ثلاثة محافظات هي المنصورة ودمياط والإسماعيلية ، وهذه هي البداية لنهاية مصر ، فالولايات تريد أن تُكرر تجربة العراق في مصر عن طريق تنصيب كرازي مصري هو الدكتور محمد البرادعي ، فإدارة أوباما تراهن على الفراغ والفوضى في مصر ، تماماً كما حدث في العراق ، والتناقض الأمريكي واضحٌ إذا ما درسنا الحالة السودانية ، فإدارة الرئيس أوباما دعمت المشير البشير وأعترفت بالإنتخابات المزورة ولم تطلب منه حتى الإمتثال للمحكمة الدولية وهي تعلم أنه قتل ألوفاً مؤلفة من السودانيين . لكن حنقي على الرئيس المصري حسني مبارك وموقفه من نظام البشير لا يجعلني أتخطى حدود الموضوعية ، فمن يطالبون برحيل مبارك بصورة مستعجلة لا يمكن أن نعفيهم من التآمر ، فلا زال البديل العراقي يشكل حزناً وأسى للعراقيين الذين تحكمهم المليشيات تحت مُسمى الديمقراطية ، وقد مارست أمريكا وحلفائها القتل والتعذيب بصورة غير مسبوقة ، وقد فشلت في تقديم الحرية والخبز وفرصة العمل ، سوف يعقب ما جرى في ميدان التحري – إن سقط نظام مبارك – ما يثعرف ب \" de ba'athation \" أو الإجتثاث للموالين للرئيس تماماً كما حدث في العراق ، هذه العملية سوف تولد المغبونين والحانقين وربما تقود البلاد للحرب الأهلية ، فالنظام في مصر ليس هو مبارك ، بل هو نظام مترامي الأطراف وممتد إلى فترة أنور السادات ، هؤلاء لن يسكتوا على ضياع مصالحهم وفرصهم بهذه السهولة ، فالجماهير التي يقودها البرادعي وعلى راسها الأخوان المسلمون هي جماهير ثأرية سوف تنقض على كل نفوذ الحزب الوطني ، هذا الشعار \" الجزيرة والحرة برا برا \" ، أنه شعار رددته الجموع المؤيدة للرئيس حسني مبارك ، هذا الشعار يبدو واقعي لأن هاتين القناتين هما جزء من المشروع الأمريكي الخاص بالشرق الأوسط الجديد . سارة عيسي