... محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] من طبيعة النظم الشمولية الديكتاتورية انها تبدو في مظهرها كالرخام المصقول من حيث الشكل المنظور فتبدو لامعة باستقرار زائف..ولكن هي في حقيقتها كسطح الصفيح الذي يحجب تحته براكين من الرماد المشتعل ..تمشي عليه الشعوب حافية في صبر..ما أن تحترق أقدامها حتي تثور علي ذلك الغطاء وترميه بعيدا فيتكشف المستور وتتنفس تلك الفوهات الملتهبة كل ما في جوفها .. و مناسبة هذا الشبال السريع .. ما يحدث الان في الشارع المصري من ثورات فئوية صغيرة هنا وهناك تطالب برد المظالم الي اهلها من العاملين في شركات القطاع العام والخاص وبعض المؤسسات الخدمية والصناعية الاخري.. تولدت عن الثورة الشبابية الكبيرة التي صرعت النظام المباركي ودكت حصون مملكته الحزبية الفاسدة..وهي بمثابة الهزات الارتدادية التي تعقب الزلزال الكبير دائما ..ومع انها لا تسبب ذات الصدع الناجم عنه ..الا انها تظل مصدر ازعاج لا يبعث علي الاطمئنان باي حال من الاحوال..وهي بالطبع حق في التعبير عن مظالم لم يكن بمقدور الذين كانوا يرزحون تحت نيرها التعبير عنها في ظل النظام الديكتاتوري ..فانتهزوا مساحة الحرية التي وفرتها لهم ظروف ما فعله ذلك الزلزال في النظام البائد.. لعرضها في الهواء الطلق... وهذا المشهد اعاد الي اذهاننا سلسة الآضرابات التي انتظمت في السودان عقب انتفاضة ابريل 1985 بالقدر الذي شلّ الكثير من قطاعات الخدمات وحاصر الحكومة في زاوية ضيقة فوق ما كانت تعانيه من ضعف البنية الاقتصادية وارتخاء قبضتها وعدم سيطرتها علي خيوط الحكم.. والقدرة علي تدوير دولاب الدولة في الاتجاهات الصحيحة وكانت ضمن نقاط ضعف الديمقراطية الثالثة التي قادت البلاد الي مربع الانقلابات المريع.. وربما العبور من ضفة النظام الديكتاتوري عبر الثورات أمر صعب ممهور بالدماء والتضحيات وثمنه غال .. لكن مرحلة التمهيد للوصول الي شاطيء النظام الديمقراطي بصورة كاملة عبر المرحلة الانتقالية التي يعيشها الشعب المصري في ظل حكم المجلس الأعلي للقوات المسلحة كسلطة مؤقتة تهدف الي تعبيد الدرب الي ذلك الهدف ليس الا.. وفق ما هو معلن ..تظل هي من أصعب المراحل التي تتطلب درجة عالية من الوعي من الجماهير .. والسلطة بغرض معالجة الهياج في الشارع المنعتق من اصفاد الكبت السياسي والاجتماعي ..لجما للفوضي التي قد تنطلق من عقالها بدعوي ممارسة الحرية .. التي بنبغي ان يكون التعاطي معها وفق ترشيد يحفظ امن البلاد ولا يضر باقتصادها المجهد بالاضرابات التي لن تحقق رفع مظالم السنوات الطوال بين ليلة وضحاها .. وياتي دور الشباب وقود تلك الثورة العظيمة في تسخير كافة الوسائل المتاحة لديهم لتوصيل صوتهم بغرض تهدئة الخواطر .. لانجاز الاولويات الهامة من أعادة بناء أجهزة الحكم وفق الصيغة الدستورية المرتقبة ..ووجوب تأجيل كافة المطالب لتوضع للنظر بروية بعد اكتمال الانتخابات الرئاسية و التشريعية الحرة من قبل الشعب مباشرة وبعد ترتيب البيت الداخلي لبلاد ما بعد الثورة..التي ينبغي العض عليها بالنواجز .فخذوا الحكمة من افواه الملدوغين من الجحر ذاته أكثر من مرتين.. والله المستعان ..وهو من وراء القصد..