تراسيم.. الرئيس في عزلته.. !! عبد الباقي الظافر في أول اجتماع لمجلس وزراء حكومة تصريف المهام في مصر انتبه رجل رشيد إلى أنّ جدران قاعة الاجتماعات تحمل صورة كبيرة للرئيس السابق حسني مبارك.. وزراء الرئيس السباقون والذين بدلوا ولاءهم بسرعة قرروا إنزال صورة الريس.. ثمّ احتاروا في صورة البديل.. المشير طنطاوي لم يعلن نفسه بعد رئيساً للجمهورية.. اللواء عمر سليمان مازال مصيره مجهولاً ومحيراً.. الحيرة لم تدم طويلاً.. فقد وجد الرجال في لوحة تحمل اسم الجلالة حلاً يُرضي الجميع . الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك في مقر إقامته في شرم الشيخ مُضرب عن الأكل والشرب والكلام.. مقربون من (الريس) يقولون إنّ الزعيم في حالة اكتئاب.. وأنّه يرفض حتى تلقي العلاج.. يبدو أنّ مبارك يرفض كلمة مخلوع.. لهذا كان يريد من جماهير الثورة أن تمهله أشهراً معلومات حتى موعد الانتخابات المقبلة.. ويحمد للرئيس المخلوع أنّه حدد أن تكون مصر أرض الحياة والممات.. لا يريد أن تطارده العدسات في منفاه أو تلاحقه وصمة الرئيس السابق ابن علي الذي يُعرف بالرئيس الهارب . ذُهل الرئيس جعفر نميري في فجر السادس من أبريل عندما رأى رجال المراسم في مطار القاهرة يطوون السجاد الأحمر من تحت أرجله.. أدرك المشير أنّ الأمر في الخرطوم قد قُضي.. وأنّه الآن أصبح رئيساً سابقاً في أرق الأوصاف.. رغم ذلك أصرّ (ابوعاج) أن يدرك الخرطوم مهما كلّفه الأمر.. ومن عجائب القدر أنّ الذي كان يهدئ من روع الرئيس نميري ويستخدم الحكم التي تؤكد استحالة دوام الحال هو الرئيس المصري حسني مبارك . القرآن الكريم استخدم لفظ النزع من الملك مقابل الإيتاء.. هذه الدلالة تعبر أن حكامنا دائماً ما يخشون النزع.. في بداياتهم على الكرسي يبدون زهداً و ورعاً.. كلّما طال العهد تبدّل الحال.. الرئيس جمال عبد الناصر بدأ عهده ثورياً يبحث عن العدالة الاجتماعية.. ثمّ انتهى إلى ديكتاتور نصب المشانق لمعارضيه.. الرئيس السادات وعد الأُمّة بصفحة جديدة.. وفي آخر أيامه كان يهدد الذين خالفوه بالرأي بالفرم.. جعفر نميري كان شاباً ثائراً ثم انتهى إلى رئيس يحمل كل الألقاب ويشغل كل المناصب.. الرئيس عمر البشير كان يصر على ألا يغيّر سيّارته الحكومية القديمة.. الآن صور الرئيس تملأ الساحات.. إحدى اللوحات تحمل صورة الرئيس شاهدتها في الزميلة الرائد مكتوب عليها (كنت أميرنا واليوم مصيرنا) . واقع ما بعد الرئاسة يغري كثيراً من حكامنا بالتشبث بالحكم.. يرفضون مغادرة القصور وإن أراد الشعب ذلك.. رجل الأعمال السوداني محمد إبراهيم مو اهتدى إلى فكرة تحفيز الحكام بجائزة حسن السير والسلوك.. جعل راتباً مغرياً لكل رئيس يحترم قواعد الديمقراطية ويسلم الأمانة لمن بعده.. في آخر دورة لم تجد الجائزة رئيساً محترماً يستحقها وتمّ حجبها. الآن هنالك دعوات أطلقت بتكوين مجلس شيوخ إفريقي.. مجلس يوفر خدمة تقاعدية للرؤساء السابقين.. يمكنّهم من الانتقال التدريجي إلى الحياة العامة.. الرئيس مبارك ما كان له أن يكتئب لو انتقل من قصر الرئاسة في القاهرة إلى رئاسة مجلس الحكماء في إفريقيا. التيار