هناك فرق. أنف وثلاث عيون..! منى أبو زيد سؤال بريء.. أين نحن من صور الحداثة الاقتصادية التي تراجعت معها وبفضلها النظرة التقليدية لفكرة الاستثمار- كما تراجعت ريادة الشعر العمودي بظهور قصيدة النثر– والتي هي اليوم سمة غالبة على قوالب الاستثمار العالمي..؟! دعك من تَرَف الخلق والإبداع في مجال الاستثمار بكل قماشاته الجيِّدة، وانظر في معدلات نجاح اقتصادنا في المدرسة التقليدية، ستجد أن عائداتنا من صداع البترول لم تتجاوز نصف دخل الفلبين من تطوير اللغة الإنجليزية، ثم أرجع البَصَر كرتين، وعندها ستجزم بأن (سجمنة) الشخصية السودانية هي أكبر حجار عثرات قوافل الاستثمار في هذا البلد..! إن كنت في شك من هذا فإليك المثال الآتي- \"من طرف دولاب خيباتنا\"- الدكتور أحمد بابكر نهار وزير السياحة والآثار والحياة البرية قال (في حوار نشر بالأمس في صحيفة السوداني) إن عملية المسح السياحي الأول في السودان ما تزال موقوفة على إجازة التمويل..! هي لعنة التركيز على قضية واحدة، لابد أن نعترف بقصور إستراتيجياتنا في تحقيق عدة أهداف تنموية في وقت واحد، وإلا فهل يعقل أن لا يطفو الحديث عن بدائل البترول على سطح التصريحات الحكومية إلا قبيل وقوع واقعة انفصال البلاد..! في دولة مثل الفلبين تُعتبر إجادة اللغة الإنجليزية استثماراً هائل المردود، حيث تتخذ معظم الشركات العالمية من الفلبين مقراً لموظفيها المنوط بهم الرد على استفسارات العملاء، فأجور العمالة المحلية عندهم زهيدة إذا ما قورنت بالأجور المعتادة في مسقط رؤوس تلك الشركات، وقد بلغت عائدات الفلبين السنوية من هذا النوع من الاستثمار– في دراسة حديثة– أكثر من ثلاثة مليار ونصف المليار دولار أمريكي..! وفي البرازيل يعتبر حاصل جمع ضرائب دخول لاعبي كرة القدم تِرْساً فاعلاً ومؤثِّراً في عجلة الاقتصاد البرازيلي.. وفي الأردن بلغت عائدات السياحة الطبية للقادمين من السودان قرابة النصف مليون دولار أمريكي.. وفي مصر بلغت عائدات السياحة ال خمسة عشر مليار دولار..! بينما– عندنا- قال السيد وزير السياحة عندما سئل عن (المشكلة) إن الثقافة السياحية عندنا (متدنية جداً) على مستوى المواطن والمسؤول، فالفهم الصحيح للاستثمار في السياحة غائب، ولا توجد خارطة طريق واضحة لكيفية التعامل مع السياح..! ليس من باب التبسيط المخل ولكن، مبلغ علمي أن الاستثمار في سياحة الحياة البرية مثلاً لا يحتاج ضمان نجاحه إلى أكثر من (أنف وثلاث عيون).. سياحة خاطفة في تجارب الآخرين.. أن تتخيل وزارة السياحة نفسها سائحاً عربياً قادم إلى السودان في رحلة صيد..! ثم سائحاً أجنبياً قادماً في رحلة \"سافاري\" (الدندر مثالاً).. أو رحلة استمتاع بالآثار في الشمال.. أو الاستمتاع بالغوص في منطقة الشعب المرجانية في الشرق.. أو الاستمتاع بالطبيعة في الغرب أو الجنوب.. إلخ.. ثم تعمل بعد الفراغ من تجربة (وضع النفس مكان السائح)- بمتطلباته وذائقته الوافدة، وليس بقناعة المواطن المحلي- على توفير إجراءات أمنية ذكية تؤكد سلامته، قبل الشروع في إنشاء الفنادق والنزُل والمنتجعات الملائمة (التي خط سيره من المطار إلى مختلف المناطق).. ثم التركيز على تطوير خدمات وملكات المرشد السياحي.. ثم الترويج– بعدها- للسياحة في السودان، بالإعلان عنها في نقاط الاستقطاب.. هي إذن لقمة سائغة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..! التيار