هناك فرق. سودنة الإتيكيت..! منى أبو زيد \"دي كيف بقى\".. قالت أمّي بابتسامة صغيرة، ونحن واقفات في مواجهة بعض أصناف الأكل البلدي التي كانت ضمن بوفيه غداء، معظم الحاضرات وقفن حائرات أمام طبق كبير مليء بلفائف الكسرة المرصوصة بعناية على شكل هرم، وبجانبه إناء ضخم، تتكئ على حافته مغرفة أنيقة، غاطسة حتى خصرها في ملاح أم رقيقة ..! بعد أن أخذَتْ كل واحدة حصتها من تلك (الطرقات) الملفوفة كمناشف الطائرات، أغرقناها بالملاح، نظرتُ إلى صحني فبدتْ لي لفَّة الكسرة وهي منبطحة على الطبق المسطَّح كبشكير فقد قدرته على الامتصاص. الملاح يتسرَّب من مسام الكسرة، ويشق طريقه عبر فراغات الصحن في بطء واثق، والأصناف الأخرى تبدو كأرخبيل الجزر التي صار الملاح (اللايوق) يحدها من جميع الجهات.. على كلٍّ، أكلنا الكسرة والملاح بالملاعق، ولسان حالنا (يَعَمينا)..! كانت تلك تقليعة من ست البيت المُغرمة بتطويع الأصناف المحليَّة المستعصية لتناسب قواعد البوفيهات، مع تجاهل مقصود من جانبها لخصوصية الطقوس التي تصاحب تناول الأكلات السودانية المحليَّة عادةً..! منظر الكسرة بالملاح في صحن الكوكتيل، والذي كان منفراً ويشبه فوطة غارقة في سائل تنظيف جسِّد بصدقٍ حالة الحيرة والتخبّط التي نعيشها عندما نحاول المزج بين تقاليدنا المحلية وبعض السلوكيات المستوردة.. تلك (اللخبطة) التي أحدثها ملاح أم رقيقة في الطبق كانت لوحة رمزية ملخِّصة للتطبيقات الخاطئة لبعض قواعد (الإتيكيت) والبروتوكولات الاجتماعية المستوردة..! لماذا تحدث (اللَّخبطة) إيّاها؟!.. لأنّ كل من يمنحه الله سعة في الرزق أو فرصة للوقوف على بعض التطور في سلوكيات المجتمعات الأخرى يريد أن يقوم بتطبيقه محلياً بصرف النظر عن ملاءمة المقام..! لكن القاعدة الأولى من قواعد السلوك المتحضّر نفسه تقول غنّه يجوز لنا أن نكسره إذا تعارض مع ثوابت الدين والعادات والتقاليد والصحة وذلك بحسب الاتفاقيات الدولية، لأنّ (الإتيكيت) في الأساس هو مجموعة من الاستجابات المحددة التي يقوم بها الإنسان نتيجة لموقف أو حادث ما، أي أنّه قناعة في المقام الأول..! إذا اطّلعت على شرح مفصل لقواعد (الإتيكيت) العائلي ستجد أنّ أسلوب التحية وطريقة المصافحة وآداب المحادثة واللهجة وآداب الزيارة والضيافة والاستئذان وطريقة تقديم الهدايا، واحترام المواعيد وآداب التعامل مع المرضى والأناقة في الملبس وآداب الموائد... إلخ حتى سحب الرجل للمقعد لمساعدة السيّدة على الجلوس أو فتح باب السيارة قبل دخولها هو مما حثّ عليه الإسلام، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس على الأرض ويضع يده ويطلب من زوجته أن تقف على رجله وتركب الناقة. أي أنّه لا جديد علينا في هذه المسائل..! إذا كان من الصعوبة بمكان تطبيق بعض السلوكيات المستوردة على بعض التفاصيل شديدة المحلية والخصوصية، فالأفضل أن نتركها كما هي، وألا نحاول تحويلها إلى مسخ، أو كسرة ب ملاح، في صحن كوكتيل..! التيار