عندما يقسو (الاتكيت)...!!!! الخرطوم: فاطمة خوجلي جلس معها على ذلك المطعم الراقي، وهو يفرك كفيه في توتر (مبرر)، فالمكان كان جديداً عليه ومهيباً بما يكفي لإنتزاع ماتبقى من ثبات بالنسبة له، دقائق حتى توقف بجوارهما ذلك النادل ليقوما بطلب بعض الوجبات، لتمضى دقائق اخرى حتى عاد النادل ومعه الطلبات، ليضعها على الطاولة قبل ان يضع بجانبه ذلك الطقم المكون من ملعقة و(شوكه وسكين)، ليزداد توتره ويتصاعد حتى انه نهض منزعجاً، وقبل ان تسأله هي عما الم به، كان يغادر المكان بحجة أن والده في المشفى يتلقى العلاج، أما هي فظلت تجلس مذهولة، دون ان تعلم ان حبيبها يمر بأزمة حادة، ويعاني من مرض غريب، يستحق ان نطلق عليه فوبيا (الشوكة والسكين)..! اعتراف وضرورات: إيمان عبد العظيم بدأت حديثها قائلة:(أنا مابعرف آكل بالشوكة والسكين... وماخجلانة من كدا لأني أساسا" بأكل في البيت بطبيعتي كحال كل السودانيين).. مضيفة أنه مع تطور العصر والإختلاط بالثقافات الأخرى أصبح من الضروري تعلمها...وتقول: (اضطر لاستعمالهما في بعض الاحيان، لأن وظيفتي تجعلني اختلط مع السائحين والزوار الأجانب، وبالتأكيد طريقة أكلنا العادية لاتناسب اتكيت الأجانب... وأسعى لأن أكتسب الخبرة من مختصين في فن الإتكيت... وليس عيبا" أنني لا أعرف ولكن الإحراج يتمثل في المواقف التي أتعرض لها أحيانا". مواقف محرجة: سحر محمد طالبة جامعية تقول: (نحن شعب بسيط لانتقن فن الأكل ولانجيد إسلوبه فاللحم الأحمر والفراخ والفول كلو واحد)... واصفة أصابع اليد الخمسة بالشوكة والسكين السودانية...وتضيف: خاصة لو كان فتة ولا (ويكة) بالكسرة أو قراصة...وعن المواقف التي تعرضت لها تقول أنها ذات يوم كانت برفقة صديقاتها في المطعم بعد أن أجمعن على كسر الروتين وتناول البيتزا...وبعد أن وضعت البيتزا أمامهن كانت متوجسة في نفسها ماذا ستفعل؟! وماذا ستقول عنها صديقاتها؟! ووصفت الموقف ب(المحرج)، فهي لاتعرف كيف تمسك الشوكة والسكين ولاكيفية التعامل بها مع الطعام، ولكن سحر توكلت على الله وقالت في نفسها:(أشوف البنات ديل بعملن في شنو وأعمل زيهن ولو ماعرفت مانهاية العالم)...ثم أضافت في حديثها أنها لم تتمكن من التجاوب مع الشوكة والسكين الأمر الذي أربكها أمام صديقاتها...ولرفع الحرج وضعت إحدى الصديقات الشوكة والسكين على الطاولة وقالت بعدها: (يدينا دي مالا..شوكة وسكين شنو؟!).وضحكت سحر في نهاية حديثها وهي تقول في إحدى جلسات الصراحة صديقاتي إعترفن أنهن كن يعانين مثلي فلم أكن الوحيدة من بينهن التي لا أجيد التعامل مع الشوكة والسكين. الاصابع مالا.؟ سيدة حمدنا الله تقول: (نحن نملك أعظم هوية رسمها لنا سيد البشر، وبعض الناس يحاول تقليد الغرب بأدق التفاصيل، وبالرغم من أني أفضل الأكل باليد بالأصابع الثلاثة التي أوصانا بها النبي عليه السلام وليس بالخمسة التي يأكل بها السودانيون إلا إنني لا أرفض تناول الطعام بالشوكة والسكين إن إستدعى الأمر ولكن بالطريقة التي تناسبني كهوية فتاة تحمل ملامح مشبعة بالتقاليد العربية. خوف وحالة عامة: أما العم حسن عبد الدائم يقول: لا أجيد طقوس الشوكة والسكين، وأخاف من التعامل معهما ولذلك أتحاشى الأمر بقدر المستطاع، وفي طبق المناسبات أغض الطرف عنهما وأتعامل معهما كأنهما غير موجودين، وأضاف قائلا":(الحالة عامة، ولاتخصني لوحدي فغالبية الشعب السوداني إن لم يكن كله يتعامل بخمسة يمينه). ضمان نظافة: وليد محمد الحسن وجدناه يأكل في المطعم بيديه وعندما سألناه أجاب معلقا":(أضمن نظافة يدي ولا أضمن نظافة الشوكة والسكين)... وقال موضحا" أنه يجيد التعامل معهما نسبة لدراسته في الخارج. وأضاف قائلا": (في الأماكن العامة والمناسبات أتعامل بالشوكة والسكين أما في السكن كنت آكل بيدي الأمر الذي وبخني فيه زملائي اللندنيون كثيرا"). مخالف للسنة: (من عاداتنا الأكل في الصينية التي توضع على الأرض أو الطاولة)... هذا ماقاله إيهاب بشير مضيفا":( كنت بمطعم مع بعض الشباب فأنتقدوني لأني لا احب ان آكل بالشوكه والسكين، فأجبتهم: ان الاتيكيت يحتم عليك وضع الشوكه باليد اليسرى والسكين باليمنى وهذا ليس من السنة ثم ثانيا" أنني لست (أشول)، لذلك فيدي ترتجف مع الشوكة دون ان يصل الطعام على فمي، وبصراحه لا أرغب تعلم الأكل بهذه الطريقه لأن (يدي) موجودة والحمد لله... فلماذا الربكة؟؟؟ ماهو الاتكيت.؟ وبحسب إخصائيين إجتماعيين فإن (فن الاتيكيت) ليس فقط أن تعرف كيف تمسك بالشوكة والسكين عند الأكل وتنسى الأعظم والأهم، والاتيكيت ليس رفاهية أو قواعد وقوانين تجميلية, وإنما هو مجموعة متناسقة من القيم والمبادئ والأخلاق والسلوكيات الراقية التي تنظم حياة الفرد وتدل على الخلق السليم والفضائل، كما تساعد على التهذيب واللباقة وحسن التصرف، والإتيكيت يجمع بين الرقة والقوة والبساطة والجمال , لذا يعرف غالبا بأنه فن مجمل الخصال الحميدة، كما يجمع بين الذوق واللباقة فيعرف أيضا أنه فن المجاملة والذوق.