من الذي فقد شرفه..؟ الماجدات في الزنازين أم النظام في الخرطوم ؟ د.جعفر كرار أحمد لا أستطيع ومهما إمتلكت من ملكة التعبير ومخزون اللغة أن أصف لكم مدى الإهانة التي شعرت بها وأنا أستمع إلى الزميلة الماجدة صفية إسحق وهي تروي بثبات قصتها. شعرت بأنها تتحدث معي مباشرة وتدينني شخصياً في كل كلمة تقولها وتتهمني مباشرة بالجبن والوهن . وكانت في كل كلمة تصف بها إعتداءات الذئاب ، تصرخ وتقول وا نقد الله في إشارة إلى الأمير نقد الله الذي والله إذا كان قادراً على التقدم خطوات خارج بيته لحمل سيفه وخرج للناس. ظلت أختي صفية أسحق وعلى مدى زمن شريطها تنظر إلي وفي عينيها إدانة واضحة لي ولجميع مع تبقى من رجال ونساء هذا الوطن . كانت تقول لم يبقى شيء كي نخسره، لم تترك لنا العصابات كرامة كي نغطي بها وجوهنا أمام الناس في محطات القطارات والمطارات وحتى أمام شقيقاتنا اللواتي لم تطالهم مخالب الذئاب بعد، لقد نزعت صفية آخر ورقة توت تتغطى بها المعارضة السودانية البائسة وأشخاص بائسين مثلى، كما أفقدت النظام شرفه بشجاعة نادرة .لقد سبق وأن كتبت في مقالات سابقة أن هذا النظام يحكم شعبنا بآليات قوى الإحتلال الأجنبي ، لكنني الآن مضطر للقول أن هذا النظام أكثر ظلماً من أية سلطة أجنبية تعاقبت على اذلال شعبنا منذ العصر المروى . هذا النظام لا علاقة له بتراث شعبنا الديني والإجتماعي والثقافي ، فقد ملئت قبلة السجون بالمناضلات والمناضلين في عهود الشموليات السابقة، لكن كل حكام تلك العهود ومهما كان رأينا فيهم كانوا جزء من التاريخ والتراث الإجتماعي لشعبنا، لقد صانوا شرف المناضلات وحفظوا لهم ولأبائهم وأخوانهم ماء الوجوه وحفظوا لأنفسهم شيء من الإحترام ... لقد كان أستاذنا الراحل الطيب صالح ذو أفق بعيد وهو الذي ردد مع نفسه ومع الناس من أين جاء هؤلاء الناس من هم هؤلاء الناس ؟ ما حدث في زنازين هؤلاء أعادني إلى ذكرى يوم كئيب في كلية الآداب جامعة بغداد- 1982- حيث كان البعثيين العراقيين يستخدمون مكاتب إتحادات الطلاب التي يسيطرون عليها بشكل كامل كمكاتب لأجهزة الأمن أيضاً، ويبدو إنه في ذلك اليوم الكئيب كانوا يحققون مع إحدي الناشطات الكرديات حول طبيعة علاقاتها مع المعارضة العراقية، ويبدوا أن الذئاب قد قاموا بأغتصابها لكسر صمودها وتجريدها من ما يعتقدونه شرفاً، ولا أعرف كيف فلتت من بين أياديهم أو أطلقوا سراحها بعد أن هزموها كما توهموا، فاندفعت في ساحة الكلية الرئيسية وهي تصرخ وسط دموعها وآثار الكدمات والعنف وسط ذهول مئات من الطلاب العراقيين والعرب، تصرخ وتقول بلهجتها العراقية (الشرف إهنانا) في إشارة إلى رأسها وعقلها( الشرف مو إهنانا) في إشارة إلى مكان آخر، وظلت تكرر هذه العبارات إلى أن عادت وأسكتتها الذئاب. إلا أن من سوء حظ دعاة المشروع الملطخ بدماء العذاري من بنات الشمال ودارفور، ودماء آلاف الرجال والنساء والأطفال في الجنوب والغرب والشرق والشمال، من سوء حظهم أن العقل البشري المبدع كان قد إبتدع أحد أهم وأسرع قنوات التواصل والنشر ومعرفة الحقيقة face book وغيره، وكان في الناس الشجاعة، فخاطبت صفية شعبها ومئات الملايين على ظهر الكوكب لتفقد هؤلاء شرفهم وإلى الأبد، ولتعري فقهاءهم وهيئاتهم ومشروعهم الملطخ بالدم والفساد وكرامة شعبنا . إن صرخة صفية هي شيء أكثر إيلاماً ومحركاً للغضب من أشعال البوعزيزي النار في نفسه ليكشف لشعبه إنحاط نظام بن على، وأكثر إستفزازاً من صرخه تلك المرأة التي عندما أهانها الروم صرخت وامعتصماه فجاءها الخليفة بجيوشه ... إنني أعتذر لك صفية باسم ملايين الرجال السودانيين الذين فشلوا في الدفاع عنك، وأقول للناس ليس بعد ما حل بصفية شيء ، وإن أقل إعتذار يمكن أن يقدمه شعبنا لبناته اللواتي حاولت الكلاب الضالة إذلالهن هو تحقيق الخلاص من هؤلاء.. ولصفية الصافية الذهن والمعدن نقول إن الذي فقد شرفه هو هذا النظام البائس. مقطع من زمن الصمود الصمت عار الخوف عار سنظل نحفرفي الجدار إما فتحنا ثغرة للنور إما نموت علي وجه الجدار لا يأس تدركه معاولنا ولا ملل انتظار إن أجدبت سحب الخريف فأن في الصيف القطار سحب الخريف خريفنا حبلي بأمطار كثار الصمت عار الخوف عار اجراس الحرية