رأي عيني على أهل كايرو حسن أحمد الحسن ليس المقصود بالطبع المسلسل المصري الناجح الذي عرض في رمضان الماضي الذي لعب دور البطولة فيه أحد ثوار ميدان التحرير خالد الصاوي مع النجمة رانيا يوسف، وغنى له لحن المقدمة الفنان الإماراتي حسين الجسمي لحن المقدمة «عيني على أهل كايرو». لكن المقصود هم أهل مصر وشبابها الذين غنى لهم أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام «الورد اللي فتح في جناين مصر». أولئك الذين غيروا مجرى التاريخ في مصر بكل عزم وتصميم ووعي تجاوز كل آليات القهر، ليضع مصر في منصة جديدة تؤثر فيمن حولها بالإيجاب والإشعاع الحميد. وتأتي زيارة رئيس وزراء ميدان التحرير عصام شرف والوفد الوزاري المرافق له في أول جولة له إلى السودان، لتضيف بعدا جديدا وذكيا لمحورية العلاقات السودانية المصرية التي تنتقل في عهد الثورة المصرية الوليدة من كونها علاقات بين نظامين وحزبين حاكمين كما كان في السابق، إلى علاقات بين منظومة شعبية حاكمة ومعارضة في السودان، مع منظومة شعبية أنتجتها ثورة «20» يناير في مصر بكل زخمها الديمقراطي من حريات أساسية وسياسية وإعلامية وسلطان قانوني يكافح الفساد السياسي والاقتصادي في عالم عربي يتجه نحو التغيير بمعدلات متسارعة. وهذا في الواقع يمثل تحدياً أمام النظام السوداني في مدى قدرته وتكيفه مع الأوضاع الجديدة، والتصالح مع مكوناته المجتمعية السياسية المتطلعة إلى مزيد من الحريات والمشاركة الديمقراطية الحقيقية، والذي يتطلع إلى ثورة حقيقية لمحاربة الفساد الاقتصادي والثراء الحرام الذي وعد الرئيس البشير بمحاربته. علماً بأن قضايا الإصلاح ومحاربة الفساد لا تقتصر في الواقع على المؤسسة السياسية والاقتصادية والتنفيذية فحسب، بل ينبغي أن يسبق ذلك إصلاح المؤسسات القضائية والقانونية التي تتولى الفصل والمتابعة في تلك القضايا، ومؤسسات تنفيذ القانون التي تتولى تطبيق القانون، ومن ثم يأتي دور مؤسسات الرقابة كالإعلام الحر والمؤسسة التشريعية التي تعبر عن إرادة المواطنين ليصون ذلك دور تلك المؤسسات. وقطعا فإن قيام نظامين ديمقراطيين حقيقيين في كل من مصر والسودان إن استجاب حكامنا لداعي الديمقراطية، سيغير من معالم المنطقة لما للسودان ومصر من ثقل شعبي وامتداد جغرافي وبعد ثقافي، ويكفي أن ننظر فقط إلى تأثير الثورتين المصرية والتونسية في المنطقة من حولنا. وإن أحسنت الحكومة إزاء شعبها فإن ثمة ميزات يتفرد بها السودان، وهي خبرة مكوناته السياسية في مسار العمل السياسي الشعبي والمعارض وفق آلية التبادل السلمي للسلطة، وله أحزاب عريقة شعبية وعقائدية خبرت بعضها وتقلبت بين دورات من الديمقراطية والشمولية والراديكالية والشموقراطية، دون أن يؤثر ذلك بعمق في وجود وحقيقة تلك الأحزاب والمنظمات السياسية. رحم الله الأستاذ والكاتب الصحافي المصري يوسف الشريف الذي أحب السودان وأهله، وكتب فيهم كتابه الشهير «السودان وأهل السودان»، وهو الكتاب الذي تناول من خلاله ذكرياته مع سياسيين ومثقفين وزعماء وناس عاديين، وشهد فيه على تحولات كبيرة. لم يشاء الله ليوسف ان يرى ما أنجزه أهل كايرو ومدن مصر الأخرى من تغيير أدهش العالم، كان حينها كتب بحبه الذي أعهده عن مصر وأهل مصر. وبين أهل السودان وأهل مصر تأثير متبادل في جوانب كثيرة لا ينكرها أحد، ونأمل أن يتعاظم هذا التأثير بعد عودة الروح الديمقراطية إلى مصر بفضل شعبها الذي يستحق الحرية، وأن يتحدث الشعبان لغة واحدة هي لغة الديمقراطية لفتح آفاق جديدة تؤسس لمستقبل جديد لأجيال حرة وكريمة. الصحافة