أفق بعيد إيمان العبيدي..طبق الأصل فيصل محمد صالح [email protected] اقتحمت الشابة الليبية إيمان العبيدي الفندق الذي يقيم به الصحفيون الأجانب في العاصمة الليبية طرابلس لتحدثهم عن أنها تعرضت للاغتصاب من قبل جنود كتائب القذافي في الطريق بين بنغازي وطرابلس.تجمع الصحفيون الأجانب حول إيمان، لكن سرعان ما انقض عليها رجال الأمن ليبعدوها عن الفندق ويقتادوها لمكان مجهول. شكلت تصريحات إيمان العبيدي صدمة داخل وخارج ليبيا، لطبيعة المجتمع المحافظ الذي اعتاد على تغطية مثل هذه الجرائم والتستر عليها، وإدانة الضحية لو خرجت وتحدثت. ولا تأتي الإدانة والرغبة في التستر من السلطات الحكومية فقط، لكنه سلوك اجتماعي معتاد بين الأسر والعشائر التي تظن أن العيب في تحدث الضحية والكشف عن نفسها، وما تجره من عار على الأسرة، وليس في الفعل ذاته. لايعلم أحد مكان إيمان العبيدي الآن ولا بعض أفراد أسرتها، في حين ظلت أجهزة الإعلام الليبية تشن هجوما عنيفا عليها وتتهمها بالكذب واختراع القصة ، بل ومضت السلطات الليبية ابعد من ذلك، حين قالت أنها فتحت بلاغا في إيمان وأسرتها بتهمة الكذب وإشانة سمعة الأجهزة الأمنية. لو تعاملنا مع قصة إيمان العبيدي بطريقة تقليدية معتادة في كثير من بلاد الدنيا التي تشبه ليبيا وبلادنا وأخواتها، فإن الآنسة الضحية ليس لديها دليل مادي واضح. فهي لاتملك تسجيلا لعملية الاعتداء عليها التي قالت أنها تمت في نقطة تفتيش لكتائب القذافي، كما أنها قصرت ولم تأخذ معها شهودا ليسجلوا ويوثقوا عملية اغتصابها. ومن غير سؤالها أو ورود معلومات محددة، فإني، وكثير من المتابعين، متأكدون بأنها لاتعرف أسماء من اغتصبوها ولن تستطيع إحضارهم لو طلبت منها السلطات القضائية ذلك. هل انتهت القضية وصارت إيمان، مثلما قالت مذيعة التليفزيون الليبي، وكما يمكن أن يقول مذيع أو مذيعة في التليفزيون السوداني، \"بت كدابة\"؟ في ليبيا والسودان وأمثالها من بلاد الدنيا ستكون الإجابة نعم، وقد يظهر مدير الشرطة الليبي أو قائد شرطي كبير في التليفزيون ليقول إنها كاذبة وان التحريات أثبتت أن ما قالته غير صحيح وإنها لم تستطع إثباته. لكن لو حدثت نفس الواقعة في بلاد افتراضية غير بلادنا فإن السيناريو الذي سيحدث سيكون مختلفا.سيقول المسؤولون إن الاغتصاب فعل بشع، وأن ضحية الاغتصاب ستتعرض لوصمة اجتماعية تعيش معها زمنا طويلا، وربما للأبد، لهذا تسكت كثير من المغتصبات عن الأمر. وسيقولون انه لا يعقل أن تخرج فتاة صغيرة في مجتمع محافظ لتضع نفسها في هذا الوضع بلاسبب، ولهذا لا بد من تحريات جادة في الأمر. سيتم تكوين لجنة تحقيق بسلطات كبيرة، وسيتم إرسال تعليمات واضحة للقيادة العسكرية والأمنية لتضع كل المعلومات في يد هذه اللجنة، أين كانت الفتاة،وما هي النقاط التي ستمر عليها بين بنغازي وطرابلس. ثم سيتم التحري مع كل الوحدات الموجودة في نقاط التفتيش، وسيسمح للفتاة بمعاينتهم لوكانت قادرة على تذكر أحدهم. سيتم إخضاع الفتاة لفحص طبي، وفحص المكان الذي قالت أنها تعرضت للاغتصاب فيه بحثا عن أدلة، ثم سترفع اللجنة توصياتها للجهات المختصة في اقرب فرصة وستقدم المتهمين للمحاكمة. أكثر من ذلك ، سيتم مراجعة عمل نقاط التفتيش والصلاحيات الممنوحة لها، ومراجعة الإجراءات العسكرية والأمنية. سؤال أخير:ماذا سيحدث ، في هذا البلد الافتراضي، لو ظهر ضابط الشرطة الكبير لينفي ويقول أن الواقعة لم تحدث وان \"البنت كذابة\". بدءا لن يحدث هذا لان هذا ليس واجب الشرطة ولا عملها، وأن اثبات التهمة أو نفيها من سلطات القضاء،لكن لو حدث ذلك فعلا فإننا نكون قد عدنا من البلد الافتراضي لنجد أننا في ليبيا أو في مكان آخر يشبهها.