زاوية حادة الثورات العربية والعربجية جعفر عباس عندي فكرة عامة عن كيفية إنتاج وإخراج الثورات الشعبية، التي تسميها الحكومات العربية حركات \"شغبية\"، ليس بمعنى أنني قادر على إشعال الثورات، بل بمعنى أنني قارئ لما تتخذه من مسارات، فإلى السيناريو، غير المنقول من قوقل أو ياهوو: يخرج بضعة مئات في مظاهرات، فتنهال عليهم قنابل الغاز والهراوات، فيرتفع عدد المحتجين إلى آلاف قليلة، تصل الى نقطة التجمع بكرامة البليلة، فينهال عليهم الرصاص، وتتوعدهم الحكومة بالمزيد من القصاص، وتزداد المظاهرات عنفوانا، وتزداد عصابات الأمن هيجانا، وتتبرأ الحكومة بكل قوة عين، من أي عمل دموي أو مشين، وتنسب العنف الى المخربين والمندسين، وبعد ان يتجاوز عدد القتلى المائة، تشعر الحكومة باختناق في الرئة، فيخرج صاحب الفخامة الرئيس، ويلقي خطابه التعيس: الوطن يتعرض لمؤامرة، ولا داعي للمعافرة والمدافرة، والأعداء يتربصون بنا، ويحسدونكم على ما أنتم فيه من نغنغة و\"هَنَا\"، طلباتكم على العين والراس، وقررنا منح كل مريض قرص فاليوم، ولكل طالب كراس، وسنخفض سعر الملح والشاي، ونعفيكم من ضرائب الدخل و\"الهناي\"، ونقيم لكل شهيد منكم ضريحا، وأوامري في هذا الصدد واضحة صريحة». والشعب يعرف ان ذلك في المشمش، ويخرج للساحات بثبات ليطيح بالجالس على العرش، تختفي الشعارات المنادية بالإصلاح، ويرتفع نداء حي على الكفاح، فتمتلئ الشوارع بالمصفحات والمدرعات، التي ظلت مركونة تشرب الشيشة وتخزن القات، أسلحة دفعت فيها الشعوب الشيء الفلاني، وقيل إنها لمحاربة الصهاينة والإمبريالي الأمريكاني، جيوش حالها ليس أفضل من فرق الكشافة، تمارس التقتيل العشوائي بلا رحمة أو رأفة، وصدور مزخرفة بالنياشين، وكل نيشان جاء نظير دماء العشرات من المواطنين، لم ينل ضابط رتبة أعلى من محاربة عدو، بل بالتنكيل بمواطنيه بالضرب والسحل وأحيانا \"تفووو\"، وعندها يدرك الرئيس المزمن، مغزى قول رمضان زايد \"خليك مع الزمن\"، ويقف أمام المايكرفون، كما شخصية في فيلم كرتون، ويعلن أنه زهج وقرف من الحكم، يدرك الشعب بدوره ان مرسي ابن المعلم الزناتي أنهزم، أما عندما تنظم الحكومة مظاهرات تأييد \"عفوية\"، فتأكد أن حالها صارت كمونية، تم طبخها دون تنظيف الكرش والمصارين، يسبب تعاطيها كاروشة لا يجدي معها الأنتي هستامين، وعندما تصل الأمور إلى طرد مراسلي (بي بي سي) و(الجزيرة) و(سي ان ان) تسقط الحكومة قبل ان تنجح في العد من \"ون\" إلى \"تن\" ومن بلد إلى آخر يشهد السيناريو تغييرات طفيفة، تتفاوت بين العنف الأهوج والوعود السخيفة، فقعيد ليبيا الجزافي مثلا، ازداد جنونا وخبلا، ولأول مرة في التاريخ، نسمع بقمع مظاهرات بالراجمات والصواريخ، وفي اليمن يقولون لعلي صالح ارحل، فيلجأ إلى تجربة جماعة نحسي مبارك في غزوة الجمل، ولكن وبعد اعلان العصيان المدني، صار محتارا بين جدة وسيدني، وفي سوريا قتل في يوم واحد أكثر من مائة شخص، لأنهم ناكرو الجميل.. إخص، عاشوا في نعيم قانون الطوارئ لنصف قرن، ولكن اتضح أنهم في غباء وحيد القرن، يخرجون مندفعين الى الشوارع، رافضين فعل الماضي ومطالبين بالمضارع، أي راهن الحال والمستقبل، وهو ما لا يطالب به إلا عبيط وأهبل، كيف يتمرد عاقل على حكم بني أمية، ما لم يكن مستحقا لمحو الأمية؟ عام 2011 بأكمله سيكون ربيع العرب، فقد بدأوا التداوي من العجز والجرب، وهناك رؤوس كثيرة جاهزة للحلاقة، مهما حسبت ان أجهزتها الأمنية كاملة اللياقة، لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، فخلصونا من عصبة العرْبجية.. كراسي الحكم أصيبت بالبواسير، ولا ترضوا لأنفسكم ب\"المواسير\"، عالجوا تلك الكراسي، لتلقى سفن الثورات الظافرة المراسي، فيجلس عليها من قلوبهم على الوطن، وليس من ينتزعون اللقمة من أفواهكم ويخزنوها في فريزرات سويسرا ولندن. الرأي العام