افق بعيد كشوفات الشيخ اسحق فيصل محمد صالح يقوم البرلمان ويقعد في موضوع التقاوي الفاسدة، لجنة الزراعة في المجلس الوطني تتهم أجهزة وزارة الزراعة باستجلاب التقاوى الفاسدة، والوزير، الذي هو \"ليس كيشة\" بمنطوق لسانه، يرد مهاجماً ومنتقدا ومبرئاً لنفسه، ومتهماً الآخرين بالجهل. والمجلس يستدعي الوزيرين والوزير يتجاهل ويغيب، ثم يحضر بعد أيام، وتتطاير الاتهامات، لكن البرلمان يجيز تقرير لجنته بالإجماع، ويحيل توصياتها لوزارة العدل. كان الناس يظنون أن هناك قضية، وأنها جزء من الحملة التي أعلنتها الحكومة لمحاربة الفساد، وقال الناس إن بعض نواب البرلمان صدقوا حكاية الحرب على الفساد، فأشعلوها في البرلمان، وهكذا أيضا كنا نظن، حتى قيض الله لنا العارف بالله اسحق أحمد فضل الله، ففتح أمامنا ما استغلق على أفهامنا، وأوسع مضايق العقول شرحا وتفسيرا وتحليلا حتى استبانت الرؤية وتجلت الحقيقة. اكتشف السيد اسحق أن كل هذا الموضوع ليس إلا مجرد مؤامرة شيوعية تم تدبيرها في ذلك الاجتماع في أركويت، ويمكنك ان تبدل اركويت بأمبدة او الحلفايا، لا يهم، وأن الشيوعيين يعرفون أن السبب في كساد محصول عباد الشمس هو عدم هطول الأمطار في ذلك العام، وكأن المطلوب من المتعافي أن يكون كجورا يجلب الامطار!، هكذا أفتانا الشيخ اسحق. ليس هناك فساد ولا يحزنون ولا تقاوى فاسدة، ولا شيء من ذلك، فالقائمون على الأمور في البلاد من التقاة الثقاة، لولا أكاذيب الشيوعيين وتخرصاتهم، هذا رغم أننا فهمنا من الشيخ اسحق من قبل أنه لا يوجد بالبلاد شيوعيون ولا غيره، وأن كل الشعب السوداني يحب الحكومة والرئيس البشير. وتقود الرؤية الشيخ اسحق للأرشيف، فيكشف كيف قام الشيوعيون أنفسهم، عليهم اللعنة، بتدبير ما عرف باسم قضية لواري \"باسط\" الشهيرة في عهد نميري، وكيف أن الكشف والتمحيص بعد ذلك أثبت أن لا فساد ولا مشاكل في تلك الشاحنات، بل أنها من أجود أنواع الشاحنات في العالم، لولا لؤم وتآمرالشيوعيين مرة أخرى. ولأن البركات إن بدأت لا تتوقف، فقد قادت الرؤية الشيخ اسحق لأبعد من ذلك بكثير، وكشفت له ما استغلق على كل أفهام العالم، وفتح الله عليه فأعطاه سر ما عرف بربيع الطلاب في أوروبا في عام 1968، حين خرج الطلاب في الشوارع في فرنسا، ثم بريطانيا وبقية دول أوروبا، وامتد الأمر لبراغ الشيوعية، وخرجت من ثنايا تلك التظاهرات مدارس اليسار الجديد، والخنافس وجون لينون، وأفكار هربرت ماركوز \"الإنسان ذو البعد الواحد\"، والحركة المضادة لحرب فيتنام، بل يقول البعض إنها كانت بداية مبكرة للألفية الثالثة. كانت تلك من أخصب فترات الحراك الاجتماعي والسياسي والفكري والفني في تاريخ العالم، هكذا يقول من تابعها وأرخ لها. إلا الشيخ اسحق صاحب الفتوحات، فقد كشف لنا أنها لم تكن ثورة \"ولا حاجة\" بل مؤامرة يهودية من إسرائيل وأنصارها ضد فرنسا؛ لأنها لم تقف معها في حرب 1967. وبحسب اسحق، فقد انتهت الثورة بمواجهة تليفزيونية واحدة أجراها وزير الإعلام الفرنسي مع زعماء الطلبة في ذلك الوقت، أثبت ان ليس لديهم قضية ولا حجة، وهكذا انتهت الثورة المزعومة. فليحمد المصريون والتونسيون ربهم إذن، فلو كتب الاستاذ اسحق مقاله العبقري هذا قبل أشهر قليلة لما نجحت الثورة في البلدين، ولجاء وزيرا الإعلام في تونس ومصر بزعماء الشباب في التلفزيون وأفحموهم وأجهضوا الثورة. نحن في انتظار مزيد من الكشف الرؤيوي من الشيخ اسحق ، فربما نكتشف أنه لم تكن هناك ثورة فرنسية تحت شعار المساواة والإخاء، ولا ثورة أمريكية، وربما حتى الثورة البلشفية، وليعينه الله على اختراع المنهج الجديد لقراءة وكتابة التاريخ. الاخبار