قولوا حسنا حوار مع الترابى محجوب عروة [email protected] ذهبت مساء الثلاثاء لتهنئة د. الترابى على اطلاق سراحه وكعادته يقابلك هاشا باشا وهو فى كامل حيويته وعنفوانه لم تنقصها منه السنوات السبعين ونيف من عمره أو ايام المعتقلات التى تجاوزت ألف وخمسمائة يوم فى عهد الأنقاذ منذ أن ذهب فيها الى السجن حبيسا و تمويها بمحض ارادته وغيره الى القصر رئيسا، أو الآلاف من الأيام معتقلا منذ صباح 25 مايو عام 1969 كأطول معتقل سياسى فى السودان (قيل أحد عشر عاما من عمره معتقلا) فالترابى عرف بصبر عنيد على الأعتقال و ظل يدهش بصبره ضباط وجنود السجون أينما حل فى سجون السودان المختلفة ولعل ذلك ما أكسبه تعاطفا شديدا وتقديرا من اخوانه فى الحركة الأسلامية منذ ذلك التاريخ وكرس زعامة غير متنازع عليها فى قيادة الحركة حتى جاءت مذكرة العشرة لتقصيه من مرجعية نظام الأنقاذ فلم ييأس الرجل وكون حزب المؤتمر الشعبى وصار الخصم الأول العنيد والخطير للنظام يخشاه أكثر من بقية المعارضة.(يقول المثل السودانى الشهير: أبو القدح يعرف يعضى رفيقه من وين). عندما جلسنا بجانبه ونحن بعض المهنئين من غير حزبه ابتدر السيد عبد الرحمن عباس النقاش قائلا له آن الأوان لمصالحة وطنية يبتدرها الترابى لسبب بسيط أن البلاد لم تعد تحتمل الهزات السياسية، جادله الترابى فى جدوى ذلك ذاكرا أن المشكلة فى أن النافذين فى الأنقاذ لا يرغبون وذكر الآية (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفيئ الى أمر الله) ولعله يقصد أن الحكومة أو الفئة والجناح الآخر للحركة الأسلامية هى الفئة الباغية. ساندت السيد عبد الرحمن فى رأيه وقلت للترابى أننى منذ اطلاق سراحك ساءلت نفسى وقلت لآخرين هل ياترى سىيخرج الترابى من الأعتقال منتقما أم متقدما؟ بمعنى هل سينتقم لأعتقاله أم سيطرح فكرا وتحركا سياسيا متقدما قوامه التسامح والتسامى فوق الجراح ويطرح ويقود مصالحة وطنية تجنب البلاد المزيد من التمزق والتفرق والأنهيار؟ وأردفت بأن الوضعية السياسية فى السودان تختلف عن بقية الدول العربية التى حدثت فيها ثورات لأنه اذا استمر الصراع الحالى فى السودان فانه حتما سيتمزق وينهار خاصة وأنه بلد متنوع ومتعدد فى كل شئ واقتصاده هش مقارنة بالدول العربية الأخرى ولن يقوى على استثمار ثرواته الهائلة المتواجدة فى كل أنحائه. أضف الى ذلك – كما ذكرت له - أن الأحزاب السودانية فى غاية الضعف والتفكك وأن نظام الأنقاذ فى أضعف حالاته وأصابه ما أصاب الأحزاب من تفكك داخلى وصراعات وليست لديه استراتيجية واضحة ولا مرجعية ويعمل بسياسة ورزق اليوم باليوم فاذا لم نتداركه بالحكمة والموعظة الحسنة فسيصبح وطنا طاردا لأبنائه جاذبا لأعدائه. أضف الى ذلك أن الثورات العربية التى اجتاحتنا وستزداد حتما تحتاج الى زعامات اسلامية معتدلة ولديها قدرة على تكريس الأستقرار والوسطية حتى لا تقفز للسلطة حركات متطرفة تشوه الأسلام مثل طالبان فلا بد من حوار الزعامات الأسلامية لتحدث مقاربات فكرية وقواسم مشتركة وترسخ أنظمة مستقرة حرة و ديمقراطية ولا شك أن الترابى بما أوتى من علم اسلامى موسوعى واجتهادات ثرة يمكنه أن يساهم فى ذلك. ثم هناك الدستور السودانى القادم فلا بد أن يساهم فيه الترابى من منطلق الوفاق والتصالح لا التنازع خاصة أن له باع كبير وضع الدساتير منذ دستور 1956 المعدل فى ثورة اكتوبر حتى 1998.