بين المدن ... والمدائن جعفر عبد المطلب عندما تعانق النخلة شجرة الزيتون ! الزراعة التي يسمونها \" الفلاحة \" في بلاد المغرب ،هي عبارة عن هندسة تمشي علي قدميها وسط الطرقات والميادين ! البساتين عندهم هي لوحات مفروشة علي طول الحقول وعرضها .هل رأيتم من قبل فروع الشجر \" منسوجة \" و \" مضفورة في بساط ممتد علي طول الحدائق ! حتي اشعة الشمس تعود أدراجها دون إختراقه ! كيف تغادر المقهي الذي صنع سقفه من هكذا دانتلا من الفروع والأغصان ! تبقي فيه تحتسي فنجان القهوة تلو الآخر ، حتي يستقر حولك شباب يثيرون بعضاً من الضوضاء ، تضطرك للمغادرة وأنت كاره . أشجار النخيل فارعة الطول ، باسقة ، شديدة الأناقة لا تشبه \" بركاوينا \" ولا \" بت تمودة\" ولا \" كريقة\" حاج صالح المنتصبة علي الجدول والتي سقطت من طولها حزناً كانما ارادت ان تلحق به عندما رحل عليه الرحمة ! النخيل عندهم كانه يستخدم للديكور والزينة وليس كمحصول نقدي والله أعلم . حتي النخيل في بلاد الرافدين غير النخيل في بلاد المغرب ، في بغداد التي تري فيها النخل صافات وانت تتسكع في شارع الرشيد وتدخل السوق المسقوف حيث يعرض عليك السمك طازجاً قبل أن يشوي ! عندما تدخل اي مسجد في بغداد أيام الراحل صدام ، أول ما يلفت نظرك ليست صورة صدام المثبتة علي حائط المسجد ولكن \" طفاية السجائر\" الموجودة داخل المسجد! تخيل ان تطفئ سجارتك ثم تقيم الصلاة ! ما بالي ببغداد وانا اتحدث عن مراكش المغربية ، ولكن هكذا تتداخل ذكريات المدائن بعضها بعضا لتشكل دانتيلا ادب الرحلات . هل صادفتم في المدن التي حططت رحلكم فيها شجرة النخيل تعانق شجرة الزيتون ! هذه من غرائب الحياة ، لأن الأولي هي بنت الصحراء والثانية هي بنت البحر الأبيض إذن كيف التقيا ؟ هذه هي عبقرية المناخ في المغرب حيث يعانق الأطلسي المتوسط ثم يتكآن معا علي الصحراء ! من خلال أسفاري المتواضعة استطيع ان اقول ان المغرب من أجمل البلاد التي زرتها ، لجمال الطبيعة فيها بسبب هذا المناخ المتفرد وامتداد اللون الأخضر بلا نهاية ثم العمارة المدهشة . وقفت ورفيقتي في الرحلة ام عفراء نتامل متجرا مطرزا بصناعات مغربية يدوية متقنة الصنع ،فاذا بصاحب المتجريخرج من متجره ويحيينا قائلا : ( هل انتم من موريتانيا ! قلنا له : لا قال إذن من السنغال قلنا له : ولا تلك قال من اي البلاد إذن ! قلنا له : من السودان .( غريبة عندما ينظرون الي ام عفراء ينسبوننا الي موريتنيا وعندما ينظرون الي العبد لله بنسبوننا الي السنغال ! )قال تفضلوا انتم ضيوفي ونادي علي صبي ان يصب لنا الشاي المغربي . عندما يقدم لك المغربي الشاي بطقوسه المعروفة فكانما قدم لك ذبيحة كما في تقاليدنا السودانية ! ثم قال : انتم احسن العرب ومضي يطري ويسرف في وصف أهل السودان حتي وصل الي حي \"بانت \" في امدرمان ! قلت له من اين لك بكل ذلك ! قال لدي صديق من امدرمان ثم تهللت اسارير ام عفراء وهي ابنة المدينة الوطن ودخلت معه في حوارمطول . ثم قال لي هل تعرف قرية اسمها \" القرير \" ! تعجبت من هذا الرجل ثم قلت له :القرير التي جاء منها السرعثمان الطيب ومحمد سعيد وحسن الدابي وحسون وأصدقاء أخر ليس هذا مجال حصرهم ! بل هي علي الضفة الغربية للنيل بينما نحن علي الضفة الشرقية . ثم قال: لدي صديق منها وهو \" شايقي \" ضحكت وقلت له ولكن من يسكن القرير غير أبناء هذه القبيلة !هذه القبيلة التي يخرج منها من يتركون مثل هذا الإنطباع الجميل لدي أهل المغرب ، ويخرج منها أيضا من كان يعذب الناس في بيوت الأشباح !!