حديث المدينة ركاب البص..!! عثمان ميرغني أمس تشرفنا بدعوة من والي الخرطوم للمشاركة في إجتماع فني متخصص والاطلاع على خطة هيكلية لتنظيم المرور والنقل بالخرطوم.. فيها خبراء من شركة ايطالية وخبراء وطنيين (أقصد سودانيين وليس وطنيين بمعنى أعضاء في المؤتمر الوطني). في إحدى المداخلات ألقى د. محمد علي عبد الحليم – مستشار الوالي - بعبارة عفوية لم يفطن لها والي الخرطوم.. قال باللغة الانجليزية (This plan is too technical for the politicians to understand) .. وترجمتها (هذه الخطة فنياً أكبر من أن يفهمها الساسة). ولأني أدرك أنه لم يقصد التقليل من عقول الساسة.. لكن عبارته أوحت لي فعلاً بموطن خلل كبير في البنية الهيكلية تعيق تقدمنا الحضاري.. دعنى اختصرها في جملة واحدة هي (المفاضلة بين الاستراتيجي.. والتكتيكي).. وهي في تقديري أصل وأساس المشاكل التي نكابدها.. أسألك هل نحن دولة تقدم.. ام تتأخر .. هل نسير الى الأمام أم الخلف؟؟ .. سأشرح لك الفكرة وساعدني برأيك.. أسألك.. إذا افترضنا أن الكون الذي نعيش فيه.. أعنى الكرة الأرضية.. هي حافلة (باص) تركب فيه جميع الأمم.. ونحن معها.. وإذا افترضنا أن الأمم تركب في البص بالترتيب حسب تقدمها.. أمريكا (سواق البص).. مجموعة الثماني في المقاعد الأمامية.. وهكذا بالترتيب حتى نصل إلى المقاعد الخلفية.. وأترك لك تقدير المقعد الذي نجلس فيه نحن السودانيون. حسناً.. إذا رغبنا نحن شعب السودان تغيير مقعدنا لنجلس في مكان أفضل.. ماهو المطلوب؟؟ حسب قانون الطبيعة – وتخيل نفسك داخل بص منطلق بسرعة- نحتاج إلى قوتين.. قوة الدفع العادية لنمشى إلى الأمام مثل التي نحتاجها لنمشى في الأرض.. ونحتاج أيضاً لقوة الدفع التي تقاوم حركة الدفع (العكسية) للخلف الناتجة من سرعة انطلاق البص إلى الأمام. حسناً انظر حولك الآن.. إلى مستوى التقدم في حياتنا في السودان.. وأحسب معي بدقة .. هل يعادل قوة الدفع للخلف الناتجة من حركة البص إلى الأمام.. أتحداك أن تحسبها بكل دقة.. ستجد أن الاجابة هي (لا) كبيرة.. إذاً نحن نتقدم لكن بأقل من قوة الدفع العكسية.. تماماً مثل الرجل الذي يسير خطوتين إلى الأمام.. ثم يرجع خطوة إلى الخلف.. في المحصلة يتقدم.. لكن في الحقيقة يتأخر كل مرة بمقدار خطوة.. أعطيك مثالاً عملياً في قطاع الكهرباء .. حدث تقدم كبير.. في الانتاج والتوزيع والشبكات.. لكن في المقابل فإن غالبية كاسحة من المصانع تعطلت وتوقفت تماماً..بسب ارتفاع كُلفة الكهرباء.. ففقدنا انتاجها وفرص العمل التي كانت توفرها.. إذاً نحن في المحصلة نتأخر.. بالمحصلة النهائية.. لأن أي فرد سوداني يحمل في يده هاتف موبايل.. فنحن نتقدم.. لكن في المقابل نتخلف بمقدار قوة الدفع للخلف ..الناتجة من سرعة تقدم العالم (الباص) حولنا.. ما لم نتقدم إلى الأمام بقوة تفوق الدفع العكسي.. فنحن نتأخر يوماً بعد يوم.. حتى ولو بدا لنا أننا نتقدم. صحيفة التيار