بشفافية رشوة بالرشوشة حيدر المكاشفي بالأمس كان عنواننا «بلوفة بالبيض»، واليوم «رشوة بالرشوشة»، وكلها كما ترون «أكل في أكل» ولكن مع إختلاف نوع الوجبة رغم أن «المأكول» في كلتا الحالين واحد وهو الجمهور، فبالأمس كتبنا عن من يحاول أن «يبلفنا» ويأكل بعقلنا حلاوة بحكاية «البلف»، واليوم نكتب عن من يحاولون إسكات الأصوات عن طريق حشو البطون ببعض الحشف، مثل الرشوشة والسخينة والسليقة وثلاثتها فيما أظن - وربات البيوت أعلم- مسميات مختلفة لطعام شعبي رخيص وفقير غذائياً، كل قوامه يتكون من ماء مغلي تدلق عليه حفنة بصل مع ما تيسر من بهار، وربما يضاف اليه شيء من السكر، وللرشوشة غير هذا المعنى الذائع معنى آخر يتداوله السماسرة، فاذا طالبك سمسار قائلاً هات الرشوشة فلا تستعجل مناداة النادل لتطلب منه بلدي بالرشوشة لاكرام ضيفك السمسار، بل ادخل يدك في جيبك وعد له ما يريد من نقود، فالرشوشة عند السماسرة هي المقابل اللغوي ل «الشرتيت» عند الشماسة، وعند الجميع فهي «الكاش الذي يقلل النقاش،» وفي ذلك قال أحد المبالغين إن خطاب ميزانية احدى دول البترو دولار لم يكن يتعدى سطرا واحد الا يستدعي أي نقاش كالذي نخوض فيه نحن عند كل ميزانية، «الخير باسط وواجد والحمد لله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!!» وقد خلّد بعض مبدعينا الرشوشة في منجزاتهم الابداعية منهم مثلاً شاعر التراث محمد جيب الله كدكي الذي أتى على ذكر الرشوشة في احدى قصائده فقال عنها: من زرعوه للدنّاع وللعشمان والسرّاق وكل مخلوق والتربال يمد حق الله مادام الله ليهو حقوق والعجب إن خلف كرعيهو قرض البصلة لو مريوق تجيهو تريمة من البيت رشوشة ولا رغيف السوق اليوم كلو تعصر قلبو يرتاح تلقى دمو يروق.... لم ندر سر هذه المكرمة الرسمية التي نشط البعض في توزيعها منذ مدة على الأسر داخل الأحياء، يطرقون الباب يسجلون اسمك وبياناتك ثم يتفضلون عليك بكمية من السكر والبصل والدقيق، فالناس تسأل وما من اجابة محددة وقاطعة تحسم هوية هذه العطية، والتي يبدو أنها ليست عطية مزين، وانما لها هدفها وما بعدها، فمن قائل انها زكاة، وآخر يقول انها صدقة، وثالث يفسرها على انها منحة شعبية تعادل تلك الحكومية التي تمنح للموظفين تحت مسمى علاوة غلاء المعيشة، ورابع ينفي كل ذلك ويبصم بالعشرة على انها «بلفة» وبلصة من الحكومة تحاول بها شغل الناس وصرفهم عن «النقة» الكثيرة حول الغلاء ومحاصرتهم في دورهم حتى لا يطول الحديث عن الغلاء فيتطاول الى الشارع... حقيقة أن الحيرة والشك يلفان أمر هذه المنحة الغامضة التي جاءت على طريقة «أم غمتي» من حيث عدم الاحتفاء بها كالعادة ونشرها على أوسع نطاق في أجهزة الإعلام مثل كيس رمضان وكسوة العيد، فلا هي زكاة ولا هي صدقة من حيث إنها توزع على الكافة بلا فرز، وللزكاة مصارفها ومستحقوها، وكذلك الصدقة لا يجوز أن تشمل حتى المقتدرين، فما هي إذن إن لم تكن رشوة ضئيلة لا تمكن متعاطيها من فعل شيء ذي بال يقاوم الغلاء المستوحش سوى أن يصنع من بصلها وسكرها رشوشة لأيام قليلة لا تتجاوز أصابع الكف الواحدة، وهل بمثل هذه الأعطيات تنجح الحكومة في الحد من غلواء الغلاء أم أن التحسب من الشارع قد أعمى بصيرتها فباتت تتخبط كالعشواء، والعشواء هي الناقة التي في بصرها ضعف تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئاً، ومن تخبط الحكومة أنها الآن تمارس الرشوة وهي للأسف رشوة محدودة الأثر، لن تحتوي الغلاء ولن تحوش الشارع...