هناك فرق. لحظة الفضيحة ..! منى ابو زيد لماذا تحقق البرامج التلفزيوينة - التي تعتمد على نشر الغسيل وسرد الفضائح - أعلى نسب مشاهدة ؟! .. لماذا يستمتع البشر بنزيف الصراحة الذي يقطر من عروق الجالسين على ذلك الكرسي الساخن ؟! .. إلى أين تسير بنا قنواتنا العربية باستنساخها برامج نشر الغسيل مدفوع الأجر..؟! أرسطو يتفلسف عن هذا مؤكداً أنّ التفرج على عيوب الآخرين يشعرنا بالفرح، وأنّ رؤية النّاس في مواقف حرجة تشعرنا بأننا أفضل حالاً منهم.. أوليس هذا ما يحدث - بالضبط - لملايين المشاهدين العرب الذين لا يخفون استمتاعهم بمشاهدة برامج نشر الغسيل تلك..؟! إنّه الفضول جبلة البشر، الذي يجعل بعضهم يستجيبون لإغراء التلصص من فتحات النوافذ المواربة، واستراق السمع من خلف الأبواب المُغلقة! فما بالك بالأسرار والفضائح التي تأتيهم سائرة على قدمين، يفجرها أصحابها على مسامعهم طوعاً - بل عن طيب خاطر - أمام كاميرات التلفاز، طمعاً في جني الثروات من صفقات الأسرار.. الإغراء لا يقاوم، ولكل فضيحة جديدة ثمن باهظ يودع في حساب المتسابق الذي يجرؤ على إقرارها، فوراً على الهواء مباشرة..! ماذا عن تداعيات تلك القفزة الإعلامية الهائلة المحسوبة بمقاييس الربح المادي، وغير المحسوبة بمقاييس الخسائر الثقافية والاجتماعية، والانعكاسات السالبة المتوقعة على قدسية الخصوصية والأسرار الأسرية في المجتمعات العربية، ما من شك في كونها سوف تنجح في تنميط عقول المشاهدين على إقرار مثل تلك السلوكيات العلنية.. تأثير التلفاز في سلوك المجتمعات عميق.. وسريع المفعول..! علماء الاجتماع المعاصرون يؤكدون أنّ التلفاز أكثر واقعية من الواقع نفسه، إلى درجة أنّ وعي النّاس بمجريات واقعهم يتشكل في الغالب من خلال مشاهدتهم لبرامج التلفاز! فالبرامج التي تنتهج الإثارة بحسبهم ترفع من قيمة التسلية والترفيه على حساب القضايا العميقة، وتنصِّب العاطفة حكماً على حساب العقل، وتشجع النّاس على أن يكونوا أكثر انطباعية في نظرتهم للواقع وأقل استعداداً للاقتناع بالمنطق..! وبما أنّ المحطات العربية تقوم بتعريب ما بين أربعين إلى ستين في المائة من البرامج الغربيةالأمريكية منها على وجه الخصوص فإنّ مجتمعاتنا آخذة لا محالة في التحول إلى مجتمعات استهلاكية شاملة، أفرادها هم زبائن طيِّعون لتلك النوعية من البرامج..! يبدو والله أعلم أنّ العرب المذعنين لمقتضيات العولمة والمندفعين بانبهار خلف قشور الحضارة الغربية المتحررة، موعودون باختبار حقيقي ودقيق لفحص مسلمّاتهم الثقافية المستوردة من مناخات مغايرة لا تشبه تضاريسهم الاجتماعية في شيء..! إلى متى سوف يصمد اقتناع المشاهدين العرب بتفصيل قماشة أعرافهم وتقاليدهم المتحفّظة والمتوارثة بلا أدنى تغييرات جوهرية تقريباً! على باترون (ميني جيب) برنامج يتغذى على الفضائح ..؟! والذين يشاركون في حلقات النسخة العربية من ذلك البرنامج، هل يفعلون ذلك بوازعٍ من قناعاتهم الشخصية.. أم أنّه حلم الثراء السريع الذي بات هاجس معظم مشاهدي المحطات الفضائية التلفزيونية في مجتمعات الاستهلاكية/ الكسولة..؟! تلك الأحلام التي نجحت قنواتنا الفضائية في التسويق لنجاحها شريطة أن يتحلّى كل من تسوّل له نفسه الجلوس على ذلك الكرسي بأكبر قدر ممكن من الاستهتار بالخصوصية، وأقل قدر ممكن من المبالاة بالفضائح ..! التيار