بشفافية الغول والعنقاء والجبايات حيدر المكاشفي من كثرة ما صدر من قرارات وتوجيهات وأوامر وتعليمات بإلغاء كافة الرسوم والمكوس والجبايات غير القانونية وغير الشرعية من كافة المستويات السلطوية، ومن كثرة ما كُوّن لهذا الغرض من لجان مع بقاء الجبايات ليس على حالها في الرسوخ والثبات فحسب وإنما بحلول أخرى جديدة تنضم كل حين الى المسيرة الجبائية القاصدة، لم يعد أحد يثق في أي قرار جديد يذاع حول هذا الأمر ولا ينظر لأي لجنة تكوّن له إلا على أنها لجنة لقتل الموضوع جرياً على السنة الحكومية الماضية «اذا أردت ان تقتل موضوعاً كوّن له لجنة»، فقد أصبح الناس يتندرون على مثل هذه القرارات واللجان وصاروا كلما سمعوا بقرار أو لجنة من هذا القبيل صاحوا ساخرين «ابشري بطول سلامة يا جبايات»، إذ أنهم خبروا بالتجربة العملية خبايا هذه اللجان والقرارات التي لم تكن تعني شيئاً في النهاية غير بقاء وتناسل الجبايات وتعاقبها خلفاً عن سلف وجيلاً بعد جيل، إذا انتهى جيل نهض مكانه جيل جديد من الجبايات بمسميات ورسوم جديدة إذا انتهت رسوم ترعتي كنانة والرهد والبوسنة والهرسك نبتت في مكانها رسوم الجريح والحج والعمرة وهكذا حتى غدت أي محاولة لازالة والغاء هذه الجبايات من رابع المستحيلات بعد ان اضافها عامة أهل السودان الى الغول والعنقاء والخل الوفي.. الآن يتجدد الحديث عن الجبايات والمكوس وينتهي الى تجريب المجرّب باعلان تكوين لجنة برئاسة مساعد الرئيس في الحكومة ونائبه في الحزب نافع علي نافع لمراجعة وضبط الرسوم والجبايات والضرائب التي تفرضها الحكومة نفسها أي بمعنى آخر «الحكومة تراجع وتضبط الحكومة»، ولا ندري لماذا هذا التخليط مادام أن الذي يفرض ويجمع هذه الجبايات غير القانونية وغير المشروعة والباهظة هو الحكومة عبر بعض وحداتها وأجهزتها، والذي يريد ان يوقف هذا العبث هو الحكومة في أعلى مراجعها، هل يعني ذلك أن هناك شقاً في الحكومة يعادي الشق الآخر ولا ينصاع للقرارات الرئاسية، أم ان القرارات التي تصدر في هذا الصدد لا تعدو أن تكون «عزومة مراكبية» متفق عليها فحواها «أنا أصدر القرار وانت اعمل نايم» وإلا لماذا لم تنفذ هذه الجهات الحكومية الجبائية عشرات القرارات التي صدرت خلال السنوات السابقة بوقف هذه الجبايات، الواقع أن هذا التخليط الذي يضع الحكومة ضد الحكومة هو ما يدعو للتشكيك في جدوى وجدية أي دعوة تدعي كف أذى الجبايات، فقد شبع الناس من الاحباطات التي أورثتها لهم العديد من اللجان التي كونت لهذا الغرض نذكر منها لجنة صلاح كرار حين كان وزيراً لرئاسة مجلس الوزراء منتصف التسعينات، وغير هذه اللجنة من لجان وغير هذا الوزير من وزراء، نذكر منهم عوض الجاز حين كان وزيراً للمالية وكل ذلك تلاشى وانتهى إلى لا شيء وبقيت الجبايات ظافرة منتصرة أبداً بإذن الله، لماذا كل هذه «اللولوة واللفة الطويلة»، قرار في إثر قرار ولجنة في أعقاب لجنة بلا جدوى، إذا كان الأمر جدياً فالأولى من تكوين لجنة جديدة النظر بحسم في عدم تنفيذ عشرات القرارات السابقة وتوعد كل من لم يلتزم بالعقاب الرادع، ولا يحتاج هذا الامر سوى بضعة أسطر تمنع أي جباية لا تصدر بتشريع او قانون وتوقف أي تحصيل بغير أورنيك (15) وتحرم تجنيب أي أموال وفتح حسابات خاصة بها والصرف منها خارج الموازنة وبس خلاص ينتهي الموضوع وتعود الأمور الى نصابها، اللهم إلا إن كانت هذه الجهات الجبائية عصية ومعصلجة وصاحبة نفوذ وحول وطول وفي هذه الحالة لن تطولها لجنة ولن يمسها قرار، وبهذا «يكون دا موضوع آخر» ليس هذا مكانه..... الصحافة