بلا انحناء فاطمة غزالي [email protected] جنوب كردفان احترق .. ما لكم ودافور!! في مقال سابق قلتُ إنه من السّهل جداً أن يحرك الساسة مشاعر الشّعوب تجاه خوض غمار الحروب، ولكن من الصّعب جداً أن يدفع الساسة فواتيرها والتي عادة ما تكتوي الشّعوب بسدادها فقداً للأرواح -نزوح ، لجوء ، تشرد ، عنف جنسي- وغيره ، وهاهو واقع النزوح الذي تشهده ولاية شمال كردفان وهي تستقبل النازحين من ولاية جنوب كردفان يؤكد صدقية عجز السّاسة عن دفع فاتورة الحرب، وهاهم المواطنون وحدهم يتمرقون بوجع في أرض النزوح ، يجلسون في العراء هائمين على وجوههم لا يدرون أيّ منقلب سينقلبون ، بعد أن تركوا خلفهم الحياة الكريمة وافترشوا الأرض والتحفوا السماء \"بموقف مواصلات\" الدلنج بمدينة الأبيض، حيث أصبح سوق الصّالحين بالمدينة أشبه بمعسكرات النّزوح، ومن وصل إلى مدينة الأبيض سيرفع الأكف بالدّعاء حامداً شاكراً لله بوصوله إلى مكان آمن؛ لأنّ آخرين كثر حال الرّهق والعجز بينهم والهجرة شمالاً. نعم كل المآسي التي تحدثنا عنها حينما دقت طبول الحرب في أبيي رأيناها رأي العين في مدينة كادقلي وما حولها من قرى وما يجاورها من مدن، وتبدو الصّور البشعة والقذرة للحرب أمامنا لا تحتاج منا كبير عناء كيما نقف على الممارسات غير الإنسانية في جنوب كردفان حينما تراجعت كل المعاني وقيم التّسامح والتآخى بيننا. يحق لنا أن نتساءل الآن ما قيمة ال(5) سنوات عمر اتفاقية السّلام بالنّسبة لجنوب كردفان؟، لم يكن ختام السنوات الخمس مسكاً على الولاية التي دفع أبناؤها ثمناً غالياً وهم يساندون الحركة الشّعبية، ويحق لنا أن نقول أنّ المستفيد الوحيد من اتفاقية السّلام هو الجنوب الذي حقق لذاته أقصى ما يريد –الانفصال- وترك المناطق الثلاث تعيش في وضع هلامي إنتهى بجنوب كردفان نهايات مؤلمة أقحمتها في دائرة حرب قد تسبب في زيادة الحريق في دارفور، خاصّة بعد أن استنفر عبدالعزيز الحلو أبناء دارفور لخوض المعركة، ولكن هناك تساؤلاً: هل دارفور لها المقدرة على تحمل فاتورة حرب أخرى؟، وأين كانت الحركة الشّعبية حينما كان أبناء دارفور يقاتلون وحدهم يَقتُلون ويُتقلون؟، حينها قيادات الحركة الشّعبية قالت صراحة بلا استحياء : \"أبناء الغرب هم الذين قاتلونا في الحرب الأهلية وعليهم أن يدفعوا ثمن وقوفهم مع الشّمال\"، وعليه لا ينبغي أن يُزج بأبناء دارفور في الحرب بين المؤتمر الوطني والحركة الشّعبية، وأبناء دارفور إذا أرادوا مواصلة النّضال فعليهم التّوجه نحو السّلام ليكون معبراً إلى الخرطوم، ومن ثمّ تحريك أدوات النّضال مع الذين يريدون إسقاط النّظام أو تغييره أو إصلاحه من الدّاخل لتحقيق التوازن التّنموي ما بين المركز والهامش ، وإرساء الدّيمقراطية وقيم الحرية، فلا ينبغي لقضية دارفور أن تكون محل مزايدة من قبل أيّ من التنظيمات السياسية الحاكمة أو المعارضة. سكان دارفور وحدهم دفعوا فاتورة الحرب (نزوح ولجوء وموت وهلم جرا...). لسنا مع ما يحدث في جنوب كردفان من قتل وتشريد ودمار، ولا نريد لهذه الصّور البشعة أن تستمر، وأنّ الحرب في جنوب كردفان تعني عودة الحرب الأهلية بين أبناء وطن واحد وصلت أزماته حد التأزم، وتهتكت أواصر الثقة بينهما، ونقولها للمرة الثانية يا أيّها الشّريكين؛ رفقاً بوطن فقد رجالاً لم نرَ مثلهم في البلاد، أيّها الشريكين رحمة بوطن \"تجرتقت\" –رماله ، غاباته ، أنهاره- بلون الدّماء، يا أيها الشريكين لا تفرضا علينا حرباً ، كفنا من حروب جعلت أعزة أهل السودان أذلة. الجريدة