بلا انحناء من السّهل جداً أن يحرك الساسة مشاعر الشعوب تجاه خوض غمار الحروب، ولكن من الصعب جداً أن يدفع الساسة فواتيرها والتي عادة ما تكتوي الشعوب بسدادها فقداً للأرواح –نزوح ، لجوء ، تشرد ، عنف جنسي- وغيره من المآسي التي تشوّه تأريخ الإنسانية بسبب الأذى المتبادل بين بني الإنس أثناء عنفوان الحرب وضجيج المدافع وصراخ الضعفاء، والصورالبشعة والقذرة التي تلتقها كاميرات القنوات الفضائية والصّحف الورقية والإلكترونية لتعرضها على البشر كيما يقفوا على الممارسات غير الإنسانية حينما تتراجع كل معاني وقيم التّسامح والتآخى بين بني آدم. هذه الصّور البشعة حقيقةً تفرض علينا أن نتعامل بحذر مع أزمة أبيي؛ بأن لا يسمح الشعب السوداني للمؤتمر الوطني أن يُعبئ المسيرية للدخول في تراجيديا الحرب لزيادة حجم الشرخ بينهم ودينكا نقوك ، وبالقدر ذاته ينبغي أن لا نصمت ونترك الحركة الشعبية تقود دينكا نقوك إلى مجزرة بشرية، والشعب السوداني يهمه أمر المسيرية ودينكا نقوك كمواطنيين، ينبغي أن تحقن دماؤهم ولا ذنب للقبيلتين أن تذوبا وسط سخونة الأزمة السياسية بين الشريكين اللذين تهافتا على كيكية السلطة في نيفاشا وتركا أمر أبيي هلامياً فكانت القنبلة الموقوتة التي يحذر الكل مقيات إنفجارها؛ لأنّ الجميع على قناعة بأن العذاب المؤجل هو ما ستحصده القبيلتان (المسيرية - دينكا نقوك) من موليد نيفاشا. الحرب في أبيي تعني عودة الحرب الأهلية بين أبناء وطن واحد تفتقت أزماته ولوثت دماؤها الحسنى التي بين الشمال والجنوب، مازلنا على قناعة بأن الانفصال الذي حدث انفصالاً سياسياً وليس اجتماعياً، وكثيرون من أبناء هذا الوطن على قناعة بأنّ دق طبول الحرب بدعوى الجدل حول تبعية أبيي منطق يُخالف توجهات العالم نحو حل النزاعات بالتي هي أحسن، لأنّ الحروب مهما أكسبتنا نصراً لن يكون له طعم ولا رائحة طيبة لأنّه سيأتي متدثراً بفقدان أعداد ليست بالقليلة من أبناء الوطن. موت شخص من أحد القبيلين فاجعة في وطن كنا شركاء في استقلاله وعمرانه ، ولو أشعلنا نار الحرب ما قيمة أرض محونا من على فوقها أناس لا ذنب لهم سواء أنهم وجدوا أنفسهم في وطن مُكنّز بساسة أدمنوا الفشل في إدارة أزماتهم، لم يتخذوا ذرةَ عبرةٍ من حرب استمرت ربع قرن أقعدت التنمية والتطور، نعم كانت خصماً على ميزانية الصّحة والتّعليم؛ لأنّ ميزانية الأمن في الموازنة العامة أكثر من 63% إبّان حرب الجنوب، وازدادت 7% بعد حرب دارفور التي لم تنتهِ فصولها بعد. يا أيّها الشّريكين؛ رفقاً بوطن فقد رجال لم نرَ مثلهم في البلاد، أيّها الشريكان رحمة بوطن "تجرتقت" –رماله ، غاباته ، أنهاره- بلون الدّماء، يا أيها الشريكان لا تفرضا علينا حرباً من أجل بترول ينضب، أيها الشريكان كفنا من حروب جعلت أعزة أهل السودان أذلة. اللّهم نسألك لطفاً من عندك ، اللّهم لا تُسلّط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللّهم أحفظ السّودان وشعبه من أطماع الساسة، اللّهم لا تجمع شملهم على قرارات الحروبات. الجريدة