كلامولوجيا..!! صلاح عووضة ** توقفت عن حضور الندوات والورش والسمنارات منذ زمن طويل.. ** وخصوصاً تلك التي عناوينها من شاكلة (تحديات الراهن وآفاق المستقبل).. ** وحين سألني صديقي وراق عن سبب توقفي هذا اجبته قائلا ان السودانيين صاروا لا (يخشون في الموضوع على طول).. ** فنحن نهدر زمنا طويلا من عمر الندوة او الورشة في تنظيرات ومقدمات وتهويمات و (لولوات) حتى اذا انقضى الوقت نجد انفسنا مثل المهاجم المطالب باحراز هدف في الزمن المحتسب بدلاً من الضائع., ** انها علة ابتلينا بها في هذا الزمان حيث اضحى الكلام في حد نفسه انجازاً.. ** ولم يكن كذلك السابقون من امثال المحجوب والازهري والشريف حسين في مجال السياسة.. ** ولم يكن كذلك السابقون في مجال الاعلام من أمثال متوكل كمال وحمدي بدر الدين وذو النون بشرى.. ** ولم يكن كذلك السابقون في مجال الادب من امثال علي المك والطيب صالح وعبد الله الطيب.. ** وعبد الله الطيب هذا هو الذي اشترط – ذات مرة- ان (يخش) في برنامجه التلفزيوني (على طول) دون مصاحبة المذيع ذاك الذي يتحدث نصف الزمن تاركاً لاديبنا النصف الاخر.. ** او بالاحرى (متفضلاً) عليه به.. ** ومذيع من اياهم ايضا كان قد كلف بتقديم فقرات حفل غنائي بمصنع سكر حلفاالجديدة فطفق يثرثر حتى صاح فيه الجمهور (خش في الموضوع على طول او روح خليهم يغنوا لوحديهم).. ** فواحدة من آفات سنوات الانقاذ العشرينية ان الجميع ياتوا يثرثرون.. ** قادة الانقاذ يثرثرون لاثبات انهم الافضل على صعيد الانجازات.. ** وقادة المعارضة يثرثرون لتعويض عجزهم عن (الفعل). ** و(المثقفاتية) يثرثرون لاقناع انفسهم اولاً – قبل المتلقين- بانهم مثقفون فعلاً.. ** وقبل فترة شاهدت ثلاثة من المثقفاتية هؤلاء – في مجال النقد الادبي- يتكلمون كلاماً كثيراً في التلفزيون لم افهم منه جملة واحدة حتى كدت ان اتشكك في مقدراتي العقلية.. ** ثم تشاء الصدف ان التقي باحدهم في اليوم التالي لاسأله عن ذاك الذي كانوا يتاحدثون فيه بالأمس.. ** فأجابني الناقد الادبي وهو يضحك: (والله بصراحة لا انا فاهم حاجة ولا اللي كانوا معاي فاهمين حاجة اهو كلام بتاع مثقفاتية وخلاص).. ** وقبل ايام استمعت إلى قيادي انقاذي كبير يتحدث عن خطة الحكومة للمرحلة القادمة لاكثر من ساعة من الزمن.. ** وبعد ان افرغ القيادي ذاك من حديثه التفت إلى صديق بجواري وسألته: (الراجل ده كان عاوز يقول شنو بالضبط؟) ** فارتسمت على صديقي هذا علامات الارتياح وقد ظن انه وحده الذي لم يفهم واجابني مبتسماً : (اقطع ضراعي لو كنت فهمت حاجة).. ** وبالأمس فقط اكتشف كاتب هذه السطور ان الذي يعيب عليه الاخرين قد يكون مبتلي به هو نفسه ايضاً.. ** فقد هاتفني بلدياتنا سيد عبده بدري من عبري ليصيح في غضب بعد التحية (على طول): (ياخي كان يوم اسود اللي قريت فيه الفلسفة ده).. ** ثم يضيف في غضب اشد: (يضيرك ايه لو خشيت في الموضوع على طول ياخي؟!).. ** ولا ادري – حينها- لم جالت بخاطري سريعاً احداث فيلم اجنبي مثير اسمه (الآخرون).. ** فساكنو البيت – في الفيلم ذاك- كانوا ناقمين على (آخرين) يشاركونهم البيت نفسه ممن ظنوهم اشباحاً.. ** ثم يكتشف اصحاب البيت هؤلاء انهم هم الاشباح.. ** فهل صرنا جميعاً – اذا- اشباحاً لماض جميل كان حيّاً ب (الفعل) لا ب(الكلام)؟!.. ** وهل نجحت الانقاذ في نقل عدواها لل (اغيار) حتى صاروا مثلها سواء بسواء؟,, ** وهل امست بلادنا هي (جمهورية السودان الكلامية) عوضا عن (جمهورية السودان الديمقراطية)؟! ** ثم ليت الكلام – بعد ذلك كله – كان (درراً) مثل كلام السابقين.. ** انه كلام سمج، وممل، وممجوج لا طعم له ولا رائحة ولا لون.. ** وفضلاً عن ذلك فهو يلف ويدور حول القضايا دون ان يقدم حلولاً عملية مباشرة.. ** انه مثل كلام الانقاذ عن الديمقراطية منذ عشرين عاماً.. ** وعن رفاهية الشعب ورفع المعاناة عن كاهله.. ** وعن الحفاظ على تراب الوطن وعزته وسيادته.. ** وعن الحكومة الرشيدة التي تقتدي بنهج السلف الصالح.. ** ومثل كلام المعارضة منذ عشرين عاماً – كذلك- عن ازاحة الانقاذ واسترداد الديمقراطية.. ** وعن تحريك الشارع وتنظيم التظاهرات.. ** وعن اقتلاع النظام من جذوره.. ** ثم لا كلام من ذلك كله يُترجم إلى فعل (يخش) في الموضوع (على طول).. ** فهو محض (كلامولوجيا). اجراس الحرية