[email protected] سأل أحدهم أباه وقذ كان واعظاً: ما بال الناس إذا وعظتهم بكوا.. وإذا وعظهم غيرك لم يبكوا؟ فقال : يابني ليست النائحة الثكلي كالنائحة المستأجرة. لن يبكي معك أيها السوداني أحد على ضياع قطعة من وطنك لأنه حتى إذا تباكى فهو كالنائحة المستأجرة، وهنا مربط الفرس والحمار. قيل إن أشد الحزن هو ذلك الذي يعز فيه البكاء وتستعصي الدموع.. ويقال إن التلعثم ووقوف الكلام \" في الزور\" كثيرا ما يكون أصدق وأبلغ من الافصاح وتدفق الكلام من ماسورة مجاري اللسان والقلم. يقول الشاعر فلئن بكيناه لحق لنا .. ولئن تركنا ذاك للصبر فلمثله جرت العيون دما .. ولمثله جمدت ولم تجر في هذا اليوم الذي له ما بعده حق لنا أن نخرج الزفرات حرى ولكن غير منتنة.. أجوك عوض الله، أو بثينة الكاتبة النابهة. ولدت وترعرعت هنا في الخرطوم. جيران لصقاء لشقيقتي . عاشت معهم طفولتها. لدة من لداتها، وصديقتها المقربة، وإن ارتحلوا الآن إلى منزل آخر بنفس المنطقة. ابنة شقيقتي كان زفافها بالأمس الجمعة، أي قبيل الانفصال بيوم واحد. كانت أول المدعوين . لم تحضر. عذرها الكل لأن هذا اليوم كان عصيبا. يا لقساوة الأيام؛ حرمتها من الفرحة مع أعز الصديقات! زميلتنا أجوك عوض الله بحثت عنها اليوم السبت بالصحيفة فقيل إنها خرجت وهي تجهش بالبكاء، وتابعت الانشطار النووي في التلفار فوجدت هنالك أيضا من يبكون، فحمدت الله أن هناك الكثيرين المحزونين على هذا الانشطار، وهذا دليل عافية لأن الأمل مازال معقوداً في الوحدة الأبدية حتى ولو بعد حين، وإن طال الزمن. قضايانا يجب أن تحل هنا بأيدينا لابيد عمرو ، ولا بالنائحة المستأجرة. وهذا أمر قد سئم الناس من الحديث فيه. ولكن ماذا نصنع في بعض القوم من الجانبين الذين يزهدوننا في الدنيا ولايزهدون.. ويرغبوننا في الآخرة ولايرغبون.. ويخوفوننا من الموت ولايخافون ويتعلمون الدعوة وقشور الفقه ليماروا السفهاء ويتقربوا من الأمراء وينالوا إعجاب البلهاء. أيتها الأبنوسة.. لاتحزني فالنيل مازال يجري حاملا معه التاريخ والأمجاد وكل الحضارات الجميلة. لن يرضى هذا المارد إلا أن نكون من حلفا إلى نمولي فإنه ليس كالنائحة المستأجرة، بل يشعر بما نشعر من حزن وأسى، فإن كان باقيا يحمل رمز الخلود، فإن من تسببوا في الشقاوة ذاهبون ولا سبيل لخلودهم وإن ظنوا ذلك. نقلاً عن (الأحداث).