المشاكس باقان والرؤية الناضجة!! تيسير حسن إدريس [email protected] (دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان نصَّ على تفرغ أعضاء سكرتاريتها القومية بمن فيهم الأمين العام للاضطلاع بمهامهم التنظيمية) هذا ما أورده البيان الصحفي الصادر من مكتب الأمين العام للحركة الشعبية موضحا حيثيات استقالة السيد أموم من منصبه الحكومي بعد خمسة أيام فقط من التكليف،أتمنى أن يكون استقالة الأمين العام للحركة الشعبية الحاكمة لدولة الجنوب من الحكومة كوزير لوزارة السلام لهذا السبب الوارد في البيان الصحفي أي بدواعي تفرغ الرجل لمهامه التنظيمية الكبيرة التي تفرض عليه العمل الجاد لتحويل فكر الحركة ونهجها من الميدان ولغة (الدواس) إلى فكر ولغة السياسة والدبلوماسية الناعمة التي يحكمها العقل والبرتوكول بعيدا عن مواقف الميدان المتشنجة حيث إن مبدأ الأخذ والعطاء والمساومة والخروج بأقل الخسائر وأكبر الفوائد هو الذي سيحكم علاقات الدولة الوليدة مع المجتمع الدولي وخاصة دول الجوار والطاقم الحكومي الشاطر والحكومة الراشدة هي التي تستطيع تحديد مصالح شعبها العليا وتسلك أقصر الطرق وأقلها تكلفة لتحقيق ذلك في إطار الموازنات الدولية المعقدة وهنا يكمن سر نجاح بعض الساسة وفشل الآخرين . فإذا جاءت استقالة السيد باقان لهذا الغرض فهذه بحق (ضربة معلم) ومؤشر جيد يدلل على أن الحركة الشعبية تسير في الطريق الصحيح لبناء دولة العدل والديمقراطية وأنها بالفعل قد بدأت أولى خطوات إصحاح البيئة السياسية الجنوبية وذلك بالفصل بين الحركة الشعبية كحزب والحكومة كجهاز تنفيذي وبذلك تنأى بنفسها عن التجارب الفاشلة للدول التي تحولت فيه (الدولة) لدولة (الحزب) بدلاً عن دولة (المواطنة) ويتم الفشل بانتقال سلبيات الدولة لجسد الحزب والعكس صحيح فتتراكم السلبيات وتقود الجهازين الحكومي والحزبي للترهل والضعف مما يدفع الدولة لترك مهامها الأساسية المتمثلة في بناء الوطن ورفاهية شعبه والانصراف لحماية مصالح الحزب الحاكم وتبني سياسات دفاعية انصرافية لحماية سمعتها وسمعة حزبها بسبب الفشل والإخفاق الذي يحتمه هذا الخلط والتداخل بين الدولة والحزب ويقود لابتداع أعراف سياسية غير أخلاقية بعيدة كل البعد عن الحكم الراشد والنهج السياسي المعافى مثل (فقه الضرورة وفقه السترة) الذي اضطرت إليه حكومة المؤتمر الوطني الحاكمة لتبرير جرائم وتجاوزات أعضائها من التنفيذيين وتعديهم على المال العام الذي هو ملك لكافة الشعب. لقد أثبتت هذه التجربة الخرقاء في الحكم فشلها عالميا وتأكد هذا الأمر منذ نهاية القرن الماضي حينما تهاوت فجأة منظومة الدول الاشتراكية وذابت تجربتها التي امتدت زهاء السبعين عاما وذهب ريحُها ما بين ليلة وضحى لنفس هذا السبب بَيْدَ أن بعض أنظمة الحكم غير الراشدة في العالم بما فيها نظام الإنقاذ الحاكم في الخرطوم ما زالت تصر ُّعلى تجريب المجرب الذي سيقود في نهاية المطاف إلى هلاكها الحتمي مثلما قاد إلى هلاك نظام مبارك في مصر وابن على في تونس والدائرة تدور حاليا للخلاص من النظام اليمني والليبي والسوري المماثل. نعود ونؤكد على أن خطوة السيد باقان إذا ما قصد بها البعد بحزبه عن أخطاء التجربة المشوهة التي عايشها في ظل حكومة الإنقاذ يكون بذلك قد وضع بصمة تاريخية على خارطة السياسة الإفريقية وقدم أنموذجا لفكر متقدم تحتاجه المنطقة ،هذا بوجه عام و قد يكون للرجل مآرب أخرى وطموحات شخصية مشروعة لخلافة السيد سلفا كير على رئاسة الدولة الوليدة بعد نهاية الفترة الانتقالية المحددة بخمس سنوات وقصد بهذه الخطوة الاستعداد المبكر وتهيئة الأرضية لذاك الأمر. تيسير حسن إدريس 18/07/2011م