لا يريد أحد ان يفسد بهجة يوم التاسع من يوليو بالنسبة لبعض أهل الجنوب والقليل من اهل الشمال ولايريد أحد ان يغالط في اسباب الإنفصال والتي بدأت من الشمال واكتملت بالجنوب . لم يعد ثمة إحتمال لتبرير الذي يحدث في السودان أذ كان هنالك خياران : أما حرب باستبداد شمالي او سلام باستبداد جنوبي . لم يفكر احد في السودان ومجتمع السودان وحب السودان كذلك . ليس هنا بكاء على اطلال وحدة الوطن أو حزن عاطفي على الانفصال وإنما هنالك بحث دائم – في حالتي الوحدة والانفصال عن ما يجمع شطري الوطن وبحث آخر في تفكيك أسباب الفرقة وإن فشلنا في ذلك – كما يحدث اليوم فقد يكون مصير الشرق والغرب والشمال في مهب ريح امزجة المهوسين سياسياً ودينياً او عرقياً . نحن نعلم جيداً ان إنفصال السياسة والجغرافيا هو إنفصال وهمي مثل خط 100 غرب ، نتوهمه ثم نبني عليه ! ولعلنا نؤكد أن وحدة المصالح ووحدة الانسانية هما اكثر فعالية من اي وحدة او انفصال مبنية على تبادل الاستبداد . وإذ نتكلم عن وحدة الغد لا نتوهم صفراً ثم نبني عليه ، ولا نتمنى الاماني على الله أو أبناء وطننا الكبير وانما نستشعر مسؤولية وافعالاً ، بل ونضالاً يستمر الي ماشاء الله حتى تتحقق وحدة الهدف في أن يكون السودان هو اصل افريقيا وقلبها النابض . هذا الهدف لن يكون إنتصاراً لجانب او هزيمة لآخر وانما سيكون في إضافة قوة الي قوة نحترم فيها الانسان قولاً وفعلاً . بعض مواقف السودان التاريخية تؤكد ذلك . ونضيف ان الشكل والوضع الحالي لا يشبه انسان السودان ولا ارض السودان غابة اوصحراء ، ونوكد تأكيداً قاطعاً أن ثورة السودان الاتية ضمن ربيع الثورات العربية سوف تكون تعبيراً صارخاً عن غضبنا عن نوعية الادارة السياسية التي حركت البلاد في الشمال وفي الجنوب ليصير السودان الي ما صار اليه . خمسة أزمات لازمت السودان منذ ظهوره في العهد التركي المصري وحتى اليوم الازمة الاولى غياب الدولة تماماً وسيطرة الحكومات على انشطة الدولة . لقد كانت لدينا حكومات ولم تكن لنا دولة محايدة معنية بتحقيق مصالح الجميع من خلال الرقابة علي الحكومات. الازمة الثانية هي أزمة استبداد الحاكم الاجنبي والطائفي والعسكري والحزبي أيضا إذ لم يتحقق لنا حرية في حقوق او في واجبات . الازمة الثالثة تمثلت في القيادات والنخب التي حكمت باسم من عينها لتحقيق مصالحها دون تحقيق مصالح المواطن . الازمة الرابعة تمثلت في الاستبداد المؤدي حتما الي الفساد الذي طال الجميع بلا استثناء الا من رحم ربي . الازمة الخامسة والتي كانت نتاجاً طبيعيا للازمات السابقة هو ظهور الجهوية والعصبية الدينية في مجتمعات ريفية لم يتم إعدادها – تعليماً وثقافة وسلوكاً للاحتفاظ بمعتقداتها دون التفريط في وحدة وطن متعدد الثقافات والاديان والاعراق ولا يطول المجال لذكر ما فرخته هذه الازمات لأزمات اخرى تجاوزت الوطن والمواطن الي الخارج الذي كان دائما المحرك لهذه السلوكيات ليس من خلال المؤامرة – كما تعودنا ولكن من خلال إختراق الحاكم لتحقيق مصالحه . نحن على يقين كامل بوحدتنا ووحدة مستقبلنا ومستقبل الاجيال القادمة بل على يقين اكبر ان هذا الانفصال سعت اليه قيادات قليلة في الحركة الشعبية وقيادات اقل في المؤتمر الوطني - مهما تباكوا على ما فعلوه - حزبان سياسيان شموليان ومستبدان لا يمكن – باي حال – ان يقررا مصير الاوطان والانسان ولذلك فان جموع السودانيين من الجنوب والشمال لا يعترفون – بل لا يحترمون – الخيارات في الشمال والجنوب التي زورت الانتخابات ليبقى هذين الحزبين وزورت على رؤوس الاشهاد حق تقرير المصير ونسي الحزبان في غمرة استبدادهم خيارات كل المواطنين النبلاء ديناً وسياسة وانسانية . ولعل ذلك ما يؤكد لنا ان الثورة آتية كالساعة ، لا ريب فيها ولكننا نريدها إعماراً للوطن وإعلاءلحق المواطن في صناعة دولته الغائبة والسيطرة على حكوماته المستبدة وانهاء مسلسل الخيانات الوطنية الي الابد .