[email protected] لم ينل عمنا حاج عبدالرحمن من التعليم إلا أقله , إذ لم تتيح له ظروف زمانه, أن يلقي حظه من التعليم كحال جيل اليوم. و رغم هذا كان يبادر بالحديث في المسائل الدينية, بل يفتي في ما يعن له من مسائل. زارنا حاج عبدالرحمن في بلدنا في دنقلا, في عام 1970م و صادفت زيارته شهر رمضان. عندما أكثر الصائمون من تقديم الحلومر , إحتفاءً به, صاح بصوته الجهور و الضخم , قائلاً ( من حلومر دة الحمدلله... جيب يا ولد جيب ليمون حلو )! كنا صغاراً وقتها , نجلس في طرف البرش, كعادة الصغار الذين لا يصومون. ضحكنا و صرنا نردد هذه العبارة: (جيب يا ولد جيب...) . شراب الليمون لذيذ و مفيد و إن كانت كميته التي تعد أقل من الحلومر, سيد شراب رمضان, نسبة إلي أن الليمون يحتاج إلي سكر كثير, إضافة إلي تعود الناس , الإكثار من شرب هذا الحلومر. ذات مساء أفتي حاج عبدالرحمن بحرمة الإكثار من شرب الحلومر في رمضان. و بعد أيام تجرأ و أتانا بفتوي جديدة, و هي حرمة الجمع بين شرب الحلومر و أكل السمك , دون أن يبين علة التحريم. لا أدري من أين أتي هذا الرجل بهذه الفتوي؟ قال للمصلين بعد صلاة التراويح , أنتم تشربون الحلومر الأحمر دة في شراب الموية و تأكلون لحم البحر دة في الليل. هذا لا يجوز!! و لما أكثر من الحديث و الطربيق, تصدي له أحد طلاب الثانوي و سأله في حدة ( الكلام دة جبتوا من وين ؟ ) ثم كرر له السؤال. بدلاً من أن يجيب حاج عبدالرحمن علي هذا السؤال, إتجه بالموضوع , وجهة أخري و أخذ يقول : و الله ليمون دة... ليمون دة... يا سلام... ما شاء الله ! ضحك الحضور و علقوا قائلين أن فتاوي الرجل, ذات صبغة تجارية. في موسم رمضان التالي, زارنا رجل واعظ , كما كانوا يسمونه في ذلك الزمان. طلب هذا الواعظ من الصائمين, أن يحللوا صيامهم بتمرة و قليل من الماء, ثم يصلون و بعد ذلك يتناولون طعامهم. خلافاً لما إعتاده الناس, إذ هم يفطرون, ثم يصلون و بعد ذلك يتناولون القهوة و الشاي و بقية المكيفات. إعترض أحد الصائمين و كان من طبعه العناد و رفض أن يصلي مع الناس, بل جلس بعيداً و أشعل سيجارة و أخذ يقول : ما في دين بلا بدين, أي كيف للصائم أن يصلي و هو جائع؟ لم يدري هذا الواعظ المسكين, أن من الحكمة تعجيل الفطور و أن في الأمر سعة, هنا و هناك, فلم التعسير علي الصائم؟ تذكرت هذه الطرائف و أنا أقرأ مقالاً بعنوان ( القصص عماد الوعظ التقليدي) كتبه يوسف أبا الخيل, في صحيفة الرياض السعودية بتاريخ 09/07/2011م. أشار الكاتب إلي إسلوب الوعظ في ذلك الزمان البعيد و أنه كان يقوم علي الترهيب بعذاب الآخرة. و في هذا الإطار, كانت تدور القصص عن العالم الآخر, حيث العذاب للعصاة, عملاً بنص الآية ( فاقصص القصص). لكن كان هناك تزيد هنا و هناك في هذه القصص, مما لا يتفق مع الواقع و لا يقبله العقل , مثل تلك الحكاية التي حكاها لنا أحدهم ذات مرة , إذ روي أنهم شاهدوا رجلاً أبيض اللون ( حلبي ) معهم في داخل الحافلة و يده اليمني مسودة. سألوه عن السبب, فروي لهم الحكاية. و هي قصة ذائعة الصيت, في بعض المجتمعات الإسلامية و تختلف الحبكة الدرامية بإختلاف المجتمع الذي رويت فيه. أشار الكاتب إلي أن بعض وعاظ اليوم, أخذوا يتخذون هذا الإسلوب في دعوتهم و في فتاويهم التي يقدمونها عبر الفضائيات , رغم إختلاف الظروف. حسناً , و لكن هل يحق لمن يتحدث في مثل هذه المسائل, هل يحق له أن يلغي عقل الآخر ؟ و هل يصح الترهيب وحده إسلوباً للتربية الدينية و الروحية؟ هذا خطأ و أي خطأ, و هو ما ساهم ضمن عوامل أخري في تشكيل ذهننا هذا, ذو الإتجاه الواحد في التفكير و هو ما يسميه الفلاسفة Dogmatic mind أي العقل الذي يؤمن بالقطعيات, دون نقد و تمحيص لما يقال. لقد تعددت القنوات الفضائية , التي تبث الفتاوي الدينية هنا و هناك. هذا شئي طيب و محمود, ذلك أن جمهور المسلمين في حاجة إلي من يعلمهم أصول دينهم و طرائق معاملاتهم, و خاصة في هذا الزمان, الذي تعقدت فيه بعض المسائل, نتيجة لتطور الحياة و تعقدها. لكن يلاحظ المتابع, أن هناك تقعرًاً من بعض الشيوخ و هم يتحدثون في بعض الشئون. هذا يبعد الفتوي عن هدفها و هو تقريب الفهم للسائل العادي و هو ما تستهدفه البرامج الدينية و خاصة إذا علمنا, أن بعض الجمهور, ذوي وعي منخفض و هم في حاجة إلي من يقرب لهم المعلومة, حتي يفهمونها في إطارها. الأمر الثاني الذي يلاحظه المتابع, هو هذا الكم من المعلومات التي تبث في برنامج واحد و خاصة في شهر رمضان. هذا أيضاً يبعد البرنامج عن هدفه و يخل برسالته, ذلك ان كثرة المعلومات التي تقدم في برنامج واحد و في زمن محدود, تؤدي إلي التشويش علي هذا الجمهور, إذ لا تسمح له قدراته بالإلمام بهذا الكم من المعلومات التي تقدم في وقت محدود. عليه أري أنه من الأفضل, توخي البساطة في عرض هذه المعلومات الدينية و تقديمها في قالب بسيط, يتيح لهذا الجمهور فهم معناها و العمل بها. كم هو هادف إسلوب الداعية الشيخ/ محمد أحمد حسن, في إجابته علي السائلين و في طريقة تقديمه للمعلومة, إذ يقدمها في قالب بسيط خال من التقعر و التكلف و هو إسلوب أخاذ يجبر المشاهد علي متابعته و الإفادة منه. هذا النوع من الدعاة الشعبيين, هو الذي نحتاجه, لبث الوعي و تثقيف العامة. هل نترسم خطي هذا الشيخ الجليل؟ الرياض / السعودية