اليكم الطاهر ساتي [email protected] (عكورة الإدارة) أخطر من (عكورة المياه ) ** قبل خمس سنوات تقريبا، جمعت حكومة نهر النيل حشدا جماهيريا ثم نظمت احتفالا بمناسبة افتتاح محطة مياه العبيدية، وفرح الأهل هناك بتلك المحطة الوليدة ثم عادوا الي بيوتهم بعد أن تدفقت مياه محطتهم في ميدان الاحتفال أمام رئيس الجمهورية وواليهم ووسائل الاعلام ..ثم ترقبوا توصيل المياه الي منازلهم شهرا واخر ثم ثالث ولكن لم يثمر ترقبهم بأية مياه، فاتصلوا بالصحف شاكين من تلكؤ الهيئة وتقاعسها عن آداء واجب توصيل المياه، وتحرت الصحف ثم اكتشفت بأن المحطة غير مكتملة وكذلك بها أخطاء فنية وأخرى هندسية، وتساءلت عن سر المياه التي تدفقت أمام النافذين والحشد الجماهيري وعلمت بأن الهيئة وضعت احدى طلمباتها على النيل ثم ضخت منه تلك المياه مباشرة - بالخرطوش - الي ساحة الاحتفال، ولم تمر بالمحطة وفلاترها..هكذا خدعوا الرئيس و أنفسهم والناس والاعلام يومئذ، وتفاصيل القضية - بكل ما صاحبها من فساد - موثقة بارشيف الزاوية، وأقبح ما فيها هو ذاك الضخ المباشر من النيل الي حيث مكان المسؤولين مع التجاوز التام لمرحلة الفلاتر والتنقية، وكأن المراد بتلك المياه ري (أحواض برسيم )،وليس عطش الناس..!! ** وما يحدث بمياه الخرطوم منذ زمن ليس بقصير جاء الي ذاكرتي بما حدث بالعبيدية عامئذ، فالمواسير صارت تستقبل المياه مباشرة من النيل والآبار، بكل ما فيها تلوث..ولا أدري كيف تستوعب عقول صغارنا هذه الايام دروس العلوم التي تؤكد بأن المياه لا لون لها ولا رائحة ولاطعم، حيث مياه عاصمتهم - إن وجدت - تحمل لون العرديب ورائحة ما يخرج من السبيلين وطعم كل ما هو غير طيب..ولهيئة الخرطوم الف تبرير وتبرير لما يحدث، وكل تبرير يسخر من الأخر.. على سبيل المثال : عندما جفت المواسير قبل شهر وتظاهرت الأحياء، خرجت إدارة الهيئة للناس بتبرير فحواه ( المعارضة قفلت البلوفات )، فصبرنا مع أمل التوصل - بواسطة الدوحة أو غيرها - الي (اتفاقية فتح البلوفة) مع قوى المعارضة.. وعندما تغير لون المياه الي البنفسجي قبل أشهر، خرجت ذات الادارة للصحف بتبرير فحواه ( ده موسم توالد الطحالب)، فصبرنا مع الأماني بأن تفطم الطحالب صغارها عاجلا و(تقوم بالسلامة)..وعندما أطلت الديدان متأبطة شرانقها ويرقاتها قبل أشهر، استقبلتها تلك الادارة ذاتها بتبرير فحوه ( الشبكات مضروبة )، فصبرنا مع الرجاء بأن تتبني جهة ما بناء مساكن شعبية للديدان عوضا عن توطينها في شبكات الهيئة المضروبة.. وهكذا أعذار الهيئة عند كل طامة منذ نصف عام ، وكل عذر منها أقبح من الطامة ذاتها ..!! ** ولايزال الفشل يتواصل، حيث لون المياه - منذ السبت الفائت - بني غامض، وكذلك تتواصل الأعذار الأقبح من الفشل .. فلنقرأ عذر الهيئة عن اللون، حيث تعتذر للناس وتقول نصا : ( تضاعفت معدلات العكارة ووصلت (37 الف عكارة ضوئية)، مما أثر على كفاءة تشغيل المحطات التقنية النيلية، والان نقوم بمعالجة الأزمة )..هكذا عذر التلوث هذه المرة، أي ليس بتلوث ناتج عن نشاط الحركات المسلحة، بحيث معاركها أيضا تثير الغبار والأتربة التي تؤدي الي تلوث المياه، ولا أدري كيف فاتت على عبقرية الهيئة التشبث بهذا العذر، كما فعلت في عذر (المعارضة قفلت البلوفات) .؟..المهم عذرهم خرج للناس - هذه المرة - مرتديا ثوب علمي من شاكلة ( معدل العكارة سبعة وتلاتين الف عكارة ضوئية، و دي كتيرة على محطاتنا، و أهو غايتو بنحاول نعالج الأزمة دي )، هكذا مضمون البيان ..!! ** ولن نظلم الهيئة، ربما - وهي العاجزة عن تنقية المياه بمحطاتها - تجتهد في تنقية المياه ذاتها ولكن وهي في (مجرى النيل) لتقلل نسبة العكارة الي (خمسمية عكارة ضوئية )، أو هكذا استوعبت عقولنا النص الوارد في البيان (نقوم بمعالجة الأزمة)..كدي خلونا من عكارة ضوئية وعكورة ظلامية، ألا تعلم الهيئة - منذ تأسيسها - بأن هذه الأشهر من كل عام هو موسم الفيضان ومياهه ذات الطمي ؟، أم أن فيضان هذا الموسم هو الأول في تاريخ الهيئة وعقليتها الإدارية المناط بها مهام (التخطيط والتحوط ليوم او موسم هكذا)..؟..وماذا لو زاد معدل تلك العكارة الي (50 أو 70 الف عكارة ضوئية ) ؟، يعني محطاتكم دي ح تطير ولا ح تتبخر ؟، أم أن بطون الناس سوف تتحول الي مخزن للأطماء، كما قاع بحيرات السدود ؟..لو كانت الهيئة تدار بالكفاءة والعلمية - وبٌعد النظر- لسألت ذاتها أسئلة كهذه قبل زمن بعيد ، ثم وضعت لها من الاجابات العلمية والعملية ما تعرف عند الأخرين ب ( الدراسات والخطط العلمية )، ولكن للأسف هي هيئة - كما كل البلد - تدار بنظرية ( ده زول أخونا، ده زول مجاهد، ده بيصوم الخميس، ده بيقيم الليل )، ولذلك كان ولايزال - وسيظل - فشلها الفاضح ملازما لأعذارها الواهية..بالله عليكم، جربوا مرة في حياتكم - ولو في هذه الهيئة فقط - تقديم أهل العلم والكفاءة على أصحاب الولاء والهتيفة في إدارة المرافق والهيئات، لتكتشفوا الفرق بين الإدارة والعبث..!! .................... نقلا عن السوداني