استمرار اللجان.. وهزيمة "هلال الجان"..!!    مدرب رديف المريخ يثمن جهود الإدارة..محسن سيد: لدينا مواهب مميزة وواعدة في الرديف    تعادل مثير بأجمل مباريات الدوري الانجليزي    وزير سوداني سابق يعلن عودته للمشهد بخطاب من رئيس الوزراء    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    مسيرات انتحارية تستهدف عطبرة    وزير الداخلية يدشن العمل بإستخراج البطاقة الشخصية وبطاقة الأجانب من أصول سودانية    مبارك أردول: قصف مدفعي مكثف يستهدف الدلنج ونذر المواجهة المسلحة تقترب بشدة    شاهد بالصورة والفيديو.. "نهلة" تخرج في مقطع ترد فيه على زوجها "ميسرة" بعد أن اتهمها بشرب "البيرة" وإقامة علاقة غير شرعية مع شاب ببريطانيا    رئيس مجلس السيادة : عدم حرمان أي سوداني من استخراج الأوراق الثبوتية حتى وإن كان لديه بلاغات جنائية فهذه حقوق مشروعة    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    مكتول هواك يترجّل    شاهد بالصورة والفيديو.. "نهلة" تخرج في مقطع ترد فيه على زوجها "ميسرة" بعد أن اتهمها بشرب "البيرة" وإقامة علاقة غير شرعية مع شاب ببريطانيا    شاهد بالفيديو.. الفنان أحمد أمين وعروسه الحسناء يرقصان في "جرتق" زواجهما على أنغام أغنية (يا سلام سلم)    شاهد بالفيديو.. الفنان أحمد أمين وعروسه الحسناء يرقصان في "جرتق" زواجهما على أنغام أغنية (يا سلام سلم)    هل استحق الأردن والمغرب التأهل لنهائي كأس العرب؟    توجيه بصرف اجور العاملين قبل 29 ديسمبر الجاري    شاهد بالصور.. المودل هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل على مواقع التواصل بعد ظهورها بأزياء ضيقة ومحذقة ومثيرة    "ونسة وشمار".. زوجة مسؤول بالدولة تتفوه بعبارات غاضبة وتعبر عن كراهيتها للإعلامية داليا الياس بعد إرسال الأخيرة رسالة "واتساب" لزوجها    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    مستشار ترامب يصل إلى الرياض    هل يمكن أن يؤدي الحرمان من النوم إلى الوفاة؟    بنك السودان يتأهب لإطلاق المقاصة الإلكترونية    الأردن يفوز على السعودية برأس رشدان ويتأهل لنهائي كأس العرب    والي الخرطوم يوجه بالالتزام بأسعار الغاز حسب التخفيض الجديد    المغرب يحسم بطاقة نهائي كأس العرب الأولى على حساب الإمارات    البرهان يصل الرياض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    تعرف على جوائز كأس العرب 2025    النوم أقل من 7 ساعات ثاني أكبر قاتل بعد التدخين    ريال مدريد ينجو من فخ ألافيس ويلاحق برشلونة    بعد غياب طويل.. أول ظهور للفنانة المصرية عبلة كامل بعد قرار السيسي    منع نقل البضائع يرفع أسعار السلع في دارفور    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق    إليك 7 أطعمة تساعدك في تقليل دهون الكرش طبيعياً    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنقاذ تصارع الأحرار في زمن الحرية
نشر في الراكوبة يوم 02 - 06 - 2013

سيظل الحلم بوطن سوداني يتحقق فيه كامل الحقوق لمواطنيه بالتساوي مشروعا دونه خرط القتاد بالنسبة للأجيال الخارجة من قتامة وهشاشة وهزال الواقع لترسم ملاحم مقاومة الاستبداد في زمن الانفجار المعرفي. لا الإرهاب بالاعتقال، ولا اتهام الناس بالعنصرية سيوقف الحركة الدائبة للتغيير في كل جوانب الحياة، وليس فقط السياسية. ولقد أثبتت ثورة المعلومات التي تحاصر حراس القوى التقليدية في كل العالم أن لا شئ يفت عضد تلاقي أبناء وبنات الجماهير الكادحة من أجل تحقيق ذلك الحلم النبيل. الأنظمة التقليدية التي ورثها هذا الجيل اجتماعيا، وسياسيا، وثقافيا لم تدرك حتى الآن التحولات المعرفية التي بدأت خطوها، قبل حين، لتهديم البناءات الأيديولوجية الصمدية، والطائفية البالية، التي قادت شعبنا وشعوب المنطقة إلى احتضار الخيال الفكري، والذي انعكس بدوره على كل مناحي الحياة. فبعد ربع قرن من العلاقة المزيفة مع الإله ما تزال بورتسودان، جارة البحر، تعاني من أزمة المياه. وأحياء العاصمة التي يحيطها النيل إحاطة السوار بالمعصم تئن من غياب الماء والكهرباء. ونيالا البحير تشكو لطوب الأرض من انقطاع التيار الكهربائي ونقص إمدادات المياه، والأنفس والثمرات. فما السوءة التي لم تنكشف حتى يدرك الناس سلطة الرياء والأفك التي ذبحت إلهها في السوق الطفيلية.
هذا الجيل ليس هو جيل السير بالإشارة في دهاليز الغمة السياسية وما ينبغي. وليس هو جيل السنسرة الإعلامية التي تحجب ما يزيد وعيه باتجاه التطور والإبداع. ولا هو بجيل يرهبه عبدة القديم بالأدوات الصدئة التي لم تخلق تطورا في البنى العامة. هو جيل يتحرك بسرعة فائقة للاستفادة من العصر لتحقيق رغباته. يناور هنا ويكتشف ذاته هناك ولكنه لا يني من النظر الدائم إلى أفق تطلعاته مهما سيطروا على أرضه وسمائه. وما شاهدناه في جبهة المقاومة عبر وسائل الميديا الحديثة لم يعه الدكتور أحمد بلال الذي تحسر على ضياع مجد وكالة الأنباء الرسمية (سونا). ومشكلة هذه الوكالة التي أنشئت أصلا كرديف للمؤسسات الإعلامية التي تأسست لخدمة السلطة، وليس خدمة حركة الوعي والإعلام القومي النزيه، لا تكمن في غياب الاهتمام بها. إنه عجز عضوي في فكرة الوكالة لحصار الذهن استبداديا، وشغل حيوات الناس، وتتفيه اهتماماتها. ولو سأل الوزير عن الملايين من الدولارات التي أنفقت لصحف "الصحافة" و"الأيام" المايويتين و"السودان الحديث" و"الإنقاذ الوطني" و"الأنباء" و"الرائد" لكذب أهله. فكل هذه الصحف الرسمية سقطت كما تسقط أوراق الخريف. والسبب الحقيقي لانهيار سونا لا يتعلق بعدم التخطيط السليم لها، وإنما يعود إلى استمرار فكرتها الكئيبة في زمن قلص أهمية الإعلام الحكومي عمليا. وانهيار سونا، ومن قبلها الصحف الحكومية، وصحف المؤتمر الوطني، هو مقدمة لانهيار جهازي التلفزيون والإذاعة الحكوميين.
وفي الوقت الذي تنهار فيه هذه المؤسسات التي زيفت الوعي تنشأ في كل يوم مواقع حرة للديموقراطيين يقودها شباب أعزل من دبابات، ودوشكا، وأنتنوف. ولكنهم يهددون ركائز النظام القائم، وكل السلط التقليدية التي تستخدم المساوئ جميعها لإيقافها، وذلك لا لشئ إلا لأنها تطرح الحقائق لشعب السودان. التقليديون المتكلسون لم يستوعبوا خطورة حراك هذا الجيل والذي لم يستطيعوا تدجينه في المشاريع الأيديولوجية البائرة، وعليه يسيرون شيئا فشيئا إلى حتفهم. وتلك سنة الحياة وإرادة الجماهير. ومهما كثفت الدولة القطرية التي صنعها انتهازيون، وشموليون، وطائفيون، وعنصريون، وأنصاف مواهب، في استماتتها لاستدامة الأوضاع كما هي عليه الآن فإن المستقبل للأحرار من السودانيين. إنه مستقبل الديموقراطية، والحرية، والمعرفة بالحقوق والواجبات، وإظهار الإبداعات التي ظل أهل القديم يعاكسون دون ازدهارها. وستقاوم القوى التقليدية بكل ما أوتيت من ثقل عتاد، وعوامل إغراء، وأساليب التواء، ولكن لن يكسروا إرادة التاريخ، وحلم الأجيال، وتطلعاتها للعيش بكرامة.
إن الحقيقة التي لا نكران لها هي أن الأوضاع الراهنة تمثل المخاض لانهيار زمن لصالح آخر جديد. ربما يصيب الإحباط الناس من جراء الوهن الذي أقام في هذه الأوضاع، ولكن لن تنثني إرادة السودانيين دون البحث عن سبل الخلاص في ظل المحفزات اليومية للانتفاض، وفي ظل انهيار جميع التصورات السياسية التي جربها النظام، وفي ظل غياب شرعيته التي هي عقدة نقص قادته. سيسقط هذا النظام سواء عن طريق الفتنة الداخلية التي تقضي على تماسكه، أو بالتحرك الجماهيري العفوي للجماهير المغلوبة على أمرها والمسجونة بإرهاب النظام وفساده، أو بواسطة القوى المسلحة التي تستنزفه في كل يوم وتكشف فشله. أما فكرة القناعة بالحكومة الانتقالية التي يؤمل فيها بعض القوى السياسية فهو أمل تكذبه تجارب الإنقاذيين. فنظام أجرم قادته بما لا يقارن مع سنوات قادة الحكم الوطني السابقين لا نظن أنه سيقبل بتفكيك نفسه، والخضوع للمحاسبة، وفقدان "كسب" عضويته.
صحيح أن ما يجلب بالسلم لا يحوج الناس بالضرورة إلى جلبه بالحرب، وأن كل نفس تزهق من الجانبين تمثل خسارة للبلاد. هذا خلاف المآسي الإنسانية التي تخلفها الحرب من دمار اجتماعي، واقتصادي، وتنموي. كل هذا مفهوم ضمن حيثيات المنادين بوقف الحرب. ولعل الذين يحبذون الحرب في ذاتها ليسوا أسوياء. ولكن الحديث عن إيقاف الحرب والتوجه لطاولة المفاوضات الجادة يتطلبان عزيمة من الحكومة، وتحسين سلوكها وإستراتيجيتها التمكينية، والاعتراف بأن المكر في سحق الآخرين سلميا وعسكريا لا يقود إلا إلى تضييع فرص الاستقرار والوحدة لفترة قد تطول. ولا ينفي إلا مكابر أن هذه الأوضاع الراهنة ليست سوى دليل على أن نوايا الحكومة لم تكن يوما صادقة للاعتراف بأن أسلوبها في التعامل مع المعارضة السلمية والعسكرية لم يجد فتيلا. وهي بهذا العناد لم تستطع كسب الشرعية وفي ذات الوقت لم يستقر لها ثور المعارضة الهائج حتى تسيطر تماما على إرادة الناس.
وعوضا عن الاعتراف الضروري والمكلف بالانهيار الشامل الذي دخلت فيه البلاد ما يزال قادة الحكومة يمارسون إنكارا تاما لفشلهم. بل إنهم ظلوا يفتخرون بالنموذج الذي قدمه السودان لأفريقيا في مقابلة التحديات الاستعمارية مثلما قال نافع على نافع في مؤتمر الأحزاب الإفريقية التي عقد في الخرطوم مؤخرا، ناسيا أنه وزملائه فصلوا السودان إلى دولتين، وما تزال سياستهم تهدد بفصل بقية الأجزاء التي تشهد الحرب والدمار. والأسوأ من ذلك أن سلطة الإنقاذ لم ترض حتى بالاتجاهات الإصلاحية داخلها، والتي حاولت فقط التصريح بضرورة إصلاح الحزب وسياساته وحالة الوطن النازف. ولإسكات هذه الأصوات الوطنية الصادقة والحريصة على السلام جابهت الحكومة كل أحزاب المعارضة ودجنت بعضها وحطمت تماسكها، وسعت إلى تجفيف منابع الفكر والرأي حتى لا يتنور المواطن بالحقيقة. وسوف يخسر الحالمون باستجابة الإنقاذ إلى إنهاء مرحلتها وتكوين حكومة انتقالية الثمين من الوقت، بينما يصب ذلك الخسران في استدامة تسلط الحكومة متى ما تجاوزت نكبة أو أزمة. وهذه هي إستراتيجيتها منذ مثولها، إذ هي توظف التسويف في حسم القضايا لإطالة عمرها. وللأسف هناك أحزاب، وشخصيات سياسية، ظلت تحسن الظن في قادة الحكومة حتى هذه اللحظة بأن يغيروا سياستهم، أو يستجيبوا لنداء الحوار رغم وعيهم المسبق بحقيقة ذهن الحكوميين المؤدلج وإصرارهم المستميت على البقاء في سدة الحكم ولو أدى ذلك إلى انحصارهم في مثلث حمدي. ولا ندري هل أن هذه النداءات والبيانات الحالمة التي تصدرها الأحزاب والشخصيات الوطنية التي تطالب بإيقاف الحرب أو حث الحكومة بحل نفسها صادقة أم عاجزة عن فهم استراتيجية الإنقاذيين.
والواقع أنه من السهل المناداة بإيقاف الحرب، وهي حرب الظالم على المستضعف، ويسهل كذلك الرهان على قدوم يوم يشكل فيه قادة الإنقاذ المجرمين الحكومة الانتقالية، ولا نشك طبعا في وطنية هذه النداءات التي تصدر عن حسن نية، وتخوف من أن تشمل الحرب بقاع السودان كلها وتحيله إلى مناطق ملتهبة تقضي على آمال المستقبل. سوى أن هذه المطالبة بإيقاف الحرب ظلت أماني العاجز عن شراسة المواجهة منذ بدء الحرب الجهادية على الجنوب التي أدت إلى تشطير البلاد إلى نصفين، ولم يكن النظام وقتها جاهزا لسماع وجهة نظر أخرى غير التي ينفقها سدنته. والآن لا يرى قادة النظام في هذه الأصوات الحادبة على البلاد إلا الطابور الخامس الذي يحبط من سعي الجيش إلى هزيمة الحركات المسلحة.
ألم يصرح الحاج آدم مؤخرا مهددا أوكار الطابور الخامس في الداخل ووعد بالتعامل معها بما يناسبها، ولا يعني في ذلك جهة إلا الأصوات الوطنية التي تعارض الهتاف بأن لا صوت يعلو إلا صوت المعركة؟. بادئ ذي بدء سيتحقق المستقبل الوارف لأجيال السودان طال الزمن أو قصر. أما حراس الشمولية فلا مستقبل لهم في عصر الحرية. ومن يراهن؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.