[email protected] يبدو أن وزارة الخارجية السودانية التى واجهت خلال الفترة الماضية نقداً حاداً من كتاب الرأى بسبب فشل الدبلوماسية السودانية في عدة قضايا وعدة مواقع وانحصر دورها – كما يقول النقاد ( الحساد ) – فى الإهتمام بالتنقلات والترقيات ولملمة الدولارات ، بدأت هى الأخرى تجند من يجمّلون أداءها و يكتبون لصالحها من أصحاب المباخروالحوائج ولها الحق في ذلك . فبلإضافة الى المقابلات المكثفة التى تم إجراؤها مع السيد الوزير على كرتى ، دبّج أحد مديرى الجرائد مقالاً ( قد تظن للوهلة الأولى أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه ) ، حول إنجازات الوزارة فى عهدالسيد الوزير ، وتحدث عن إعادة هيكلتها بما يتماشى مع التوجهات المعاصرة للعلاقات بين الدول . ولم ينس الكاتب في خضم مدحه لمنجزات الوزارة الوهمية ، غمز ولمز قدامى قيادات الخارجية الذين ذكرهم بالإسم وكيف أنهم لم يستطيعوا تمكين الوزارة من تملك دور البعثات في مناطق التمثيل ، ( والرد على هذا الأمر متروك لمن يعنيهم الأمر، أما أنا فأقول أن السبب في ذلك كان يعود لضيق ذات اليد ، مما أضطر الرئيس الراحل نميرى الى إغلاق بضع وعشرين سفارة سودانية في الخارج في بداية الثمانينات من القرن الماضى ، ولم يكن لنا في ذلك الزما ن خيل نهديها ولا مال ولا بترول ، ومع ذلك بذل القائمون على وزارة الخارجية عندئذ جهداً مقدراً أثمر نجاحات كثيرة فى كافة المجالات ومن بينها تملك بعض السفارات فى الخارج بالفعل ( وليس بيعها ) رغم الإمكانات الشحيحة ، بينما استحالت الخارجية الى منارة من منارات الدبلوماسية الراشدة المثقفة الواعية لمتطلبات وطنها ، بل نستطيع أن نقول بكل ثقة أن صيتها طبق الآفاق الاقليمية والدولية لحضورها الدائم ومشاركتها في الأحداث التى غيرت وجه العالم . بعد ذلك خرج علينا من يكتب عن إنجازات المرأة السودانية في مجال العمل الخارجى ( الدبلوماسيات السودانيات ) واختار إحداهن نموذجاً ، فيما نقل أحد الكتاب عن أحد الدبلوماسيين قوله فى رده على وسائل الإعلام ، ( أن المرتب الذى يتقاضاه من السفارة التى يعمل بها ، كبير جداً.....على حد تعبيره ) إعترافاً وتعاطفاً منه مع معاناة الشعب السودانى الفقير، ( مع إنه لم يقترح تخفيض مرتبه أو التبرع بجزء منه لأطفال الشوارع الذين هلكوا بالمئات جراء تعاطى المواد السامة ). ومهما يكن من أمر ، فأنا لا أود هنا أن أخوض في جودة أو سوء أداء النماذج التى نقلها هؤلاء الكتاب ، وإنما ذكرتنى هذه المحسنات البديعية برنامج ( في ساحات الفداء الشهير ) وفقرة ( خيار من خيار ) تحديداً حيث درج التلفزيون على اختيار أسماء وصور و( إنجازات ) أبناء متنفذى المؤتمر الوطنى الذين قضوا في حرب ( الجهاد ) في جنوب السودان وبثها مراراً وتكراراً ، مع إغفال ذكر أبناء المساكين من ( المجاهدين الذين قضوا في ذات الحرب ) . وعليه فان اختيار النماذج ( الجيدة ) من الوزارة ينبغى ألا يركّز على أبناء المؤتمر الوطنى على وزن ( خيار من خيار ) بينما يتم تجاهل الآخرين. وهذه ملاحظة فقط نقدمها للأقلام المستفيدة من المؤتمر الوطنى بضرورة أن تعدل بين أبناء الحكومة فى المديح والتقريظ . إن إعادة الهيكلة الذى يتحدثون عنه ينبغى أن يشمل الهيكلة المالية وهيكلة الموارد البشرية ، أى الهيكلة الإدارية بحيث تتبع الجهة المعنية إسترتيجيات مبتكرة تساعد على رأب الصدوع ومعالجة الخلل للإنتقال من حالة الإستهلاك الى مرحلة الإنتاج ، مع سيطرة النظام المالى والإدارى بحيث لا يمكن تجاوزه إلاّ عبر إجراءات استثنائية ضيقة ومنضبطة يكون جوهرها زيادة الإنتاج وتحقيق العدالة وبتر التقصير فوراً ونهائياً ، كما أن التوسع الأفقى والرأسى يجب أن تفرضه قدرات وحاجات هذه الجهة لذلك التوسع الذى ينبغى أن يكون مردوده مضموناً في أغلب الأحيان . ولا أظن أيضاً إننا نبالغ إن قلنا بضرورة وجود الهيكلة الوجدانية وتمازج مصالح المؤسسة داخل ضمائر الموظفين . فهل ينطبق هذا الأمر على وزارة الخارجية : هل توقفت الخارجية في أن تكون مكاناً للتقاعد المريح لرجال القوات المسلحة وأفراد الأمن والمتنفذين الآخرين من خارج الوزارة ( مع احترامنا للدور الذى أدّوه في وحداتهم الأصلية ) رغم تكدس السفراء الذين يأملون في ترؤس ولو سفارة واحدة قبل التقاعد . هل تتم الترقيات والتنقلات حسب الفرص المتساوية لكل سفير ودبلوماسى و إدارى أم أن الخيار والفقوس يلعب دوره في هذه الجزئية بحيث يعاد الى رئاسة الوزارة بعض ( المغضوب عليهم ) قبل انتهاء مدتهم بينما يبقى زملاؤهم في الخارج لفترات قد تتجاوز المدة المنصوص عليها إدارياً . هل يتم توزيع الدبلوماسيين على السفارات ولا سيما الكبيرة منها وفق الكفاءة المهنية وتحقيقاً للمصلحة العليا ، أم أن ذلك يتم وفق الأهواء والرغبات . وهل وعى المسؤولون بالوزارة الدرس الذى يقول أن كثيراً من الإجراءات الأممية والإقليمية والثنائية التى تم اتخاذها ضد بلادنا ، تم فى وضح النهار وفي ظل الوجود الكبير لبعض بعثاتنا فى الخارج ممن اتسم أداؤها يالضعف وعدم الفاعلية لشتى الأسباب. هل تراعى الوزارة تحقيق العدالة وتنفيذ القانون عند إحالة الدبلوماسيين والإداريين الى التقاعد الإجبارى أم أن بعض المحظوظين يظلون يعملون بالمشاهرة الى ما شاء الله . هل تم التحقيق القانونى في ما نسمع عنه من حدوث بعض التجاوزات الكبيرة في بعض السفارات المعروفة والمتداولة بالإسم ، وما هى النتائج التى تم التوصل إليها حتى لا تتكرر مثل هذه التجاوزات . لماذا لم يتم إنصاف الدبلوماسيين المحالين للصالح العام بعد عودة بعضهم الى الرئاسة والتحاقهم ببعض الإدارات الهامة وعملهم الدؤوب بها . ولماذا تم الإنتقام منهم على طريقة ألمانيا النازية وربما أبشع من ذلك . هل يشعر الدبلوماسى والإدارى حالياً بالأمان أم أن التقسيم الى سادة وشغيلة ما زال سائداَ. ومن المعلوم أن نجاح اية حركة تغييرية يقاس بمدى نجاحها في تطبيق الشعارات التى قامت من أجلها ، وحيث أن الإنقاذ فشلت في تحقيق كافة شعاراتها ، فإنه من المؤسف حقاً أن نتحدث عن نماذج ناجحة في الخارجية أو غير الخارجية طالما أن هذه النماذج تمثل جزءاً أصيلأ من النظام الذى شاركت فى إفشال برامجه ، أو هو شارك في إقحامها في ما هى ليست أهلاً له ففشلت وأفشلت . وعليه وفى رائى الشخصى أنا لا أرى من يستحق أن يعتبر نموذجاً أومعياراً يقاس عليه في الخارجية أو غيرها إلاّ اذا اعتبرنا أن الفشل الذى نغوص في مستنقعه نجاحاً كما هو دأبنا دائماً. فهل تحقق شىء بمجىء الإنقاذ ؟ بالقطع لا . فقد افتقدت الإنقاذ الى المؤسسية وانصب جهدها على توزيع الغنائم وترضية أفراد التنظيم على حساب دولة السودان ..وما حصاد الهشيم الذى نجلس على تلته اليوم إلاّ نتيجة لغياب كل القيم التى تحدثنا عنها. ويكابر الجميع للدفاع عن أنفسهم مع إن المكابرة لاتغنى عن الحق شيئاً وإن بلغ العواء والضوضاء عنان السماء. وذكرنى هذا الأمر أيضاً بما ظل أحد قيادات مجلس قيادة الثورة يردده باستمرار فى إحدى جولات المفاوضات التى جرت بين مجلس قيادة الثورة وبين الحركة الشعبية بعد شهرين من قيام الإنقاذ ( بثته قناة جنوب السودان مؤخراَ) . فبينما تحدث لام أكول وأسهب و تفلسف منصور خالد وأبدع ، وشارك دينق ألور وياسر عرمان وغيرهم وأوضحوا برنامج الحركة حول السودان الجديد حسب رؤيتهم ، وعبرواعن رغبتهم في معرفة رأى الحكومة حول تطبيق الشريعة وإنفاذ الحدود وما إلى ذلك من الأمور الرئيسية المختلف عليها.... ظل عضو مجلس قيادة الثورة المفاوض الرئيسى للحكومة يتحدث عن فهمه للفدرالية – التى قال أن الجنوبيين إن وافقوا عليها - فإ ن بعض الأقاليم التى سوف تتمتع بالحكم الفدرالى يمكنها أن تعمل ( مريسة ) والبعض الآخر يمكن أن يعمل ( عرقى ) .....هكذا ، وأسفت أسفاً شديداً وبأثر رجعى على مصير الشعب السودانى ووحدة بلاده التى بدأت تتمزق منذ تلك اللحظة قبل ربع قرن من الزمان الاّ قليلاً ... وفهمت الآن لم آلت الأوضاع لما آلت إليه اليوم .