بطعم الحرمان...! رفيدة ياسين [email protected] داخل جدران متهالكة.. في فصول لم تكتمل.. كانوا يجلسون تحت لهيب الشمس الحارقة في تلك المنطقة البعيدة بأطراف الخرطوم تسمى )حي النصر( حيث لا شيء.. لم يكن هناك ما يدل على أن تلك الساحة مدرسة سوي رنين جرس قديم ينبه لبداية اليوم الدراسي وعلم يرفرف فوق أحد حوائطها التي هي نفسها في طريقها للانهيار رغم أن المدرسة حكومية..! ذهبت إلي هناك مع شباب منظمة مجددون وهم يوزعون وجبة الإفطار على تلاميذ عدد من المدارس المستهدفة في المناطق الطرفية بالعاصمة استغرق وصولنا إلى هناك حوالي ساعة ونصف. كان المكان ممتلئاً برائحة البؤس لطفولة بطعم الحرمان.. أعداد الأطفال فيه كانت كبيرة يجلسون جنباً إلى جنب في فصول بلا سقوف وبلا مقاعد وبلا بلا بلا كل شيء إلا من حالة الاستسلام والرضا لعدد من المدرسين النبلاء الذين يؤدون واجبهم في تعليم هؤلاء الأطفال رغم الظروف التي يعاني منها المكان قبل الانسان الذي يجلس فيه. كان الأطفال ينتظرون (شباب مجددون) بشغف لتلقي وجبة الإفطار التي تصلهم يومياً لتعينهم بشكل أو بآخر على تحمل مشاق الظروف التي يدرسون فيها. كنت أرى في هذا المكان حجم الماسأة والجرم ، لكن ما زاد الطين بلة هو ما عرفته بأنه أيضاً لا توجد به (حمامات) ماذا يا ترى سيفعل هؤلاء الأطفال حين تناديهم الطبيعة.. هل فناء المدرسة مكاناً مناسباً يا ترى لقضاء حاجتهم..؟ الطعام وفره لهم (شباب مجددون) لكن ماذا عن الشراب..؟ كان الشراب من برميل كبير مملؤ بمياه بلون الطين لم استغرب كثيراً فقد تعرفنا عليها في (مواسير) منازلنا من قبل ورأينا الديدان و....و....، لكن المدهش هو اجتماع رجال اللجنة الشعبية بالمنطقة وحضورهم إلى المدرسة عندما علموا أن هنالك صحفيين وكاميرات طلبوا منا ألا نصور برميل المياه الذي يحوي مياهاً ملوثة هي شراب أطفال الأساس الذين ننتظر منهم أن يكونوا بناة المستقبل، وبادر أحدهم قائلاً إحنا مؤتمر وطني وناس الحكومة ما قصروا معانا الوالي صدق لينا ب50 مليون. تعجبت من حديث الرجل الذي تكلم عن عدم التقصير في مكان يفتقر لكل متطلبات الحياة وليس التعليم فقط، سألته أين ذهبت هذه الملايين. رد قائلاً: قالوا إننا قربنا ندخل برامج الخطط التنموية ؟؟ والوالي والله ما قصر معانا..!؟ ما كان مضحكاً وشر البلية ما يضحك أن ذلك المكان تبرع به أحد الخيرين من أبناء المنطقة لكي لا يضيع العام الدراسي على التلاميذ في انتظار دخولهم مشروعات وخطط الدولة التنموية...جاء الزمان الذي يساعد فيه مواطن الحكومة إنقاذاً لمستقبل مئات الأطفال. حتى قطعة الأرض لم تكن ملكاً للحكومة في مدرسة حكومية فعلاً لا يوجد أي تقصير لأن ميزانيات بملايين الجنيهات تصرف لمهرجانات وحفلات تكريم هي أولى من مستقبل أطفال هذا الوطن...! نتحدث عن التهميش في الجنوب وفي دارفور وفي الشرق لكن يبدو أن التهميش يملأ أرجاء الوطن شمالاً أيضاً ، ليس في الولايات فقط ، وإنما داخل عاصمة المشروع الحضاري...! والدليل أن طفولة الكثيرين بطعم الحرمان.. ليصبحوا شباباً تنخر البطالة في أجسادهم في المستقبل ويكونوا من بعدها رجالاً حاضرهم كما ماضيهم....! لم يتبقَ لنا سوى أن نبحث عن شمعة تضئ عتمة الظلام في واقع استسلمنا له وإن لم يكن اختيارنا.