الرأي24 عربي الدكتور سيسي وعربي أهل (الإنقاذ) !! المتوكل محمد فى الحوار الذى أجرته بالهاتف صحيفة «التيار» الصادرة يوم 30 يوليو الماضى مع الدكتور التيجاني سيسي رئيس حركة التحرير والعدالة، قال إن اتفاقية الدوحة التي وقعتها حركته أخيراً مع الحكومة بالعاصمة القطرية الدوحة نصَّت بوضوح وبلغة عربية مفهومة على تخصيص منصب نائب رئيس الجمهورية لأبناء دارفور، إلى أن قال إنهم في حركة التحرير والعدالة تفادوا سلبيات تجربة اتفاقية أبوجا في ناحيتي التفاوض والتنفيذ. نلتمس للدكتور سيسى العذر وهو يُورد دليل اللغة العربية الفُصحى ليُثبت أن فى اتفاقه مع حكومة الإنقاذ بند يُؤكد أيلولة منصب نائب الرئيس لأهل دارفور.. قلنا نلتمس له العذر لأنه قد غاب طويلاً عن السودان ولم يدرك أن النظام الإنقاذى يستخدم لغةً عربيةً جديدة، أو بالأحرى ابتكر أسلوباً جديداً فى فهمه وتعامله مع اللغة العربية الفصحى، ويتلخص هذا الأسلوب الجديد فى أن المؤتمر الوطنى يفهم ما يريد أن يفهمه هو، فهو لا يفهم ولا يسمع ولا يقرأ، إلا اللغة التي تنسجم مع ما يريده ويُعزز من قبضته وسيطرته على سدة الحكم، وهو بهذه الطريقة سهل الأمر للآخرين، إلا أن الآخرين يستعجلون ويسدرون في الأماني ولكن بقليلٍ من التروى وبمرور الوقت سيفهمون، فبعد عامٍ أو عامين سينجلى ما غاب عنهم، وحينها فقط على الدكتور سيسي أن يتحدث عن تفاديهم لسلبيات اتفاق أبوجا، إذ لا يزال الوقت مبكراً لمثل هذا التصريح التقريرى والحكم المسبق. يبدو أن الدكتور تفاجأ بما ظلت وسائل الإعلام تتناقله بعد توقيع اتفاق الدوحة من إفادات لقيادات الإنقاذ من أن المنصب لا يخصص لدارفور، بيد أن المفاجأة الكبرى التى سيندهش لها هي أنه عندما يبدأ التطبيق الفعلي للوثيقة يبدأ المؤتمر الوطنى بتهليم «من هلام» كل شيء تم الاتفاق عليه في الدوحة وكُتب بالعربى الفصيح، خاصةً تلك البنود ذات الأعباء والتكاليف المالية العالية، ليكتشف أن ما تم توقيعه في الدوحة لن يجد طريقه إلى التنفيذ على أرض الواقع. ألم تكن بنود المشورة الشعبية لجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق فى اتفاقية نيفاشا قد كُتبت بلغة فصيحة؟ لكن انظر إلى أى مآلٍ قد آلت إليه، وكيف يتجاذب أصحاب الاتفاق ويتجادلون حول ما تعنيه المشورة؟ دع عنك اتفاق نيفاشا وانظر إلى الجدل الذى كان قد تطاول بشأن بند من بنود اتفاق أبوجا الموقع بين المؤتمر الوطنى وحركة تحرير السودان، ففى محور تقاسم الثروة المادة «19» فى الفقرة 153 تقوم الحكومة بتخصيص مبلغ 700 مليون دولار لصندوق دارفور للإعمار والتنمية، وهو أحد أذرع تنفيذ الاتفاق، تُدفع على صورة أقساط عام 2006 و2007 و2008م وعند التنفيذ رفضت الحكومة دفع المبلغ المذكور بحجة أن مفردة «تخصيص» لا تعني إيداع هذه الأموال فى الصندوق، وظل الجدل قائماً حول معنى كلمة تخصيص إلى أن إنهار الاتفاق بمجمله، وهذا البند أكثر حظاً من غيره من البنود، إذ حُظي على الأقل ببعض الجدل، فهناك بنود لم تذكر لا بخيرٍ ولا شر إلى أن التحق الاتفاق بالرفيق الأعلى، بل إن بنداً مثل بند دمج الاتفاق فى الدستور الانتقالى رفضت الانقاذ «عديل كدا» دمجه كما نص فى الاتفاق، بغض النظر عن اللغة التى كُتبت به !!. والمؤتمر الوطنى أصبح لا يخشى أن يعطى مفاوضيه جل ما يطلبونه على الورق طالما الاتفاق الذى سيُوقعه معهم سيخضع فى آخر الأمر لتفسير «العربي» الخاص به، ومن خصائص العربي الذى يفهمه أن يقول أحد قياداته تصريحاً لينبرى آخر منهم وينقضه، فعلى سبيل المثال قال الدكتور غازي صلاح الدين قبيل توقيع وثيقة الدوحة وتحديداً أثناء زيارة الرئيس البشير إلى جمهورية الصين، إن الحكومة وافقت على منح منصب نائب الرئيس للحركات المسلحة الدارفورية، إلا أن الرئيس وفور عودته من الصين وبالتزامن مع رفضه اتفاق أديس أبابا الإطارى الموقع مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، رفض أيضاً منح دارفور منصب نائب الرئيس، ليبلع المستشار تصريحه ويعود فى حوار تلفزيونى فى برنامج «حتى تكتمل الصورة» بقناة النيل الأزرق ويعترف ضمناً أنه لم يكن موفقاً فى تصريحه ذلك، وأن منصب نائب الرئيس من حق أبناء المؤتمر الوطني، وقد أفردت معظم الصحف السياسية مساحات واسعة لحديث السيد المستشار ومسؤول ملف دارفور، الذى أغلق الباب أمام تعيين رئيس حركة التحرير والعدالة د. التيجاني سيسي، في منصب نائب رئيس الجمهورية، وكشف غازي عن تعيين شخص من المؤتمر الوطني في المنصب، وقال إنه حق وليس فيه أي نوع من الالتزام أو التخصيص للمنصب بدارفور، وشدد على أن الحكومة لن تخصص لأية منطقة في السودان منصب نائب الرئيس، وأنه حق للرئيس أن يعين من يراه مناسباً، ليرفد الدكتور سيسى بالمزيد من ذخيرته اللغوية عندما أعلن فى ذات الحوار أن حركة التحرير والعدالة لن تحتفظ حتى بمنصب السيد مناوي مساعداً للرئيس!! وفى أغسطس من عام 2010م عندما زار الرئيس البشير دولة قطر وفى اجتماعه مع الوساطة، تحفّظ على مقترح باسولي بتخصيص منصب نائب رئيس الجمهورية لدارفور، وقال الرئيس إن ذلك يفتح الباب لإعطاء كل إقليم ذات المنصب، وأنه خطوة للتفتيت الحقيقي للسودان، وهذا التصريح نقلته كل وسائل الإعلام آنذاك، وعندما عاد الرئيس من رحلته إلى الصين التى صاحبها جدلٌ كبير وغضبٌ أكبر من الاتفاق الذى وقعه الدكتور نافع، لم يسلم موضوع نائب الرئيس لدارفور، وقد أكد الدكتور غازى أثناء وجود الرئيس فى الصين أنه سيكون من نصيب دارفور، لم يسلم من آثار تلك الغضبة وذيولها، إذ قطع الرئيس وبكل حسم أنه لن يعطى ذلك المنصب لدارفور، لست أدرى ألم يكن كل من سيسى وغازى فى الدوحة عندما زارها الرئيس البشير وأدلى بتصريحه فى موضوع نائب الرئيس؟ أم أن تطاول زمن المفاوضات قد أنسى الرجلين تصريحات الرئيس؟ على كل حالٍ، على الدكتور سيسي أن ينتظر ريثما يأتي إلى الخرطوم هو وأعضاء حركته سعداء باتفاقهم المكتوب بلغةٍ عربيةٍ فصحى ليقضوا أعوام الوثيقة الانتقالية، ليجدوا أن عاماً فيه «يعصرون» عندما يُسلمون وظائفهم وسياراتهم ونثرياتهم ثم عام فيه «يُطنشون» وثالثٍ فيه «يستغيثون« ورابعٍ فيه «يبكون»، ووقتها يدركون أن هناك فرقاً شاسعاً بين العربي الذى يتحدثون به والعربي الذي تتحدث به الإنقاذ. ونسأل الله أن يرفق بأهلنا فى دارفور ويُقيل عثراتهم. الصحافة