الناس والحياة أمل هباني الضرا .... ممنوع اقتراب النساء عادة فطور رمضان في الشارع التي تعرف ب(الضرا) من العادات التكافلية الحميدة في مجتمعنا السوداني... وإن كانت في طريقها إلى الزوال مع تطور إيقاع المجتمع وتغير ظروفه الاقتصادية والاجتماعية.... ففي السنوات الماضية تغير إيقاع الأسرة ووعيها وأولوياتها واهتماماتها بصورة كبيرة مما جعل ممارسة كثير من السلوكيات المتوارثة مثل إفطار الشارع في تراجع كبير، فكثير من الأسر خاصة الأسر الحديثة تغير شكل الطعام فيها وطريقة تناوله حسب الظروف الاقتصادية، فهناك من تخلى عن المأكولات التقليدية كالعصيدة والملاح، وهناك من دمج النساء والرجال والأطفال على مائدة واحدة (السفرة).. وهناك من يعتبر أن إفطار رمضان فرصة لتجمع الأسرة الصغيرة، الأب والأم والأبناء حول مائدة طعام حرم منها في بقية العام مع إيقاع الحياة (اللاهث) هذا، خاصة أن الأسر الحديثة أصبحت في غالبها أسرا (نووية) تتكون من الأم والأب والأبناء فقط وليست أسرا ممتدة تضم الخالات والعمات والجد والجدة كما كان سابقا، وسابقا هذه ليست بعيدة... قد لا يتجاوز عمرها العقدين هي سنوات التحرير الاقتصادي وما تبعه من تغيير اجتماعي مهول... لكن هناك سببا آخر سيعجل بزوال هذه العادة بالرغم من قيمتها التكافلية السامية، وهو أن (فطور الضرا) هذا مصمم ليتناسب مع سيطرة الرجل على المجتمع وقيمه (الذكورية) التي تجعله يعتقد أن هذه الحياة خلقت له ليكون الفاعل الأصلي والمرأة مجرد خادمة وكائن لتلبية رغباته واحتياجاته.... وإلا.. لماذا لا يوجد ضرا للنساء، ألا يمكن أن تنقطع المرأة في الطريق ويدركها الإفطار قبل أن تصل وجهتها.. وقد حدث لي هذا شخصيا إذ أدركني الإفطار وأنا في الطريق لبيت شقيقتي راجلة ولم يتكرم أي رجل من الرجال المتكومين حول موائدهم بدعوتي لتحليل الصيام أو مشاركتهم الإفطار... مع أنها ذات الفكرة.. لو كان المقصود (المضارة أو المضايرة) على ابن السبيل لأن هناك أيضا (بنات) سبيل.. وقد لاحظت وجود عدد من النساء في الشارع يسارعن الخطى لأن الضرا ممنوع فيه اقتراب النساء. مع أن من الأوجب دعوة المرأة لأن في ذلك تعطفا وترفقا بها... ولو كان المقصود الكرم والجود فإن حاتم الطائي ورثت كرمه ابنته أكثر من أبنائه، وكل ما يخرج على ظهر هذه الصواني تصنعه النساء، وحتى تكلفة هذه الموائد تسهم النساء فيها بجزء مقدر.... فلماذا يصبح الأمر حكرا على الرجال عندما (تنضج الطبخة) ويصبح الأمر موقوفا على الخروج في الشارع وطلب الأجر والترويح والمؤانسة مع الجيران وترفع إشارة (ممنوع اقتراب النساء)؟... وإن أردنا لهذه العادة أن تبقى وتتطور ولا تزول علينا أن نطالب (بضرا نسائي) تخرج فيه النساء حاملات صواني الإفطار يلتقين مع جاراتهن ويحلفن على (عابرات السبيل وعابريه)... ويأكلن على (برش الضرا النسائي)... الاخبار