أفق بعيد فيصل محمد صالح [email protected] بدون..لكن لا أحب العبارة الشهيرة التي تستخدم كثيرا ..\"ليس دفاعا عن فلان أو الموقف الفلاني...ولكن\" و العبارات مثل \"أنا مع حرية التعبير والصحافة....ولكن\"، فهي في كثير من الحالات عبارات خالية من المضمون أو معاكسة للمعنى الذي قالته في البداية، وقد تنقلب إلى نقيضه. في معرض المعركة الحالية بين الصحافة والصحفيين وبين السلطة التي بدأت فعلا في فرض الرقابة على الصحف، وصعدت من مواقفها ومن إجراءاتها ضد الصحافة والصحفيين، فإن اللهجة الاعتذارية من نوع \"إن حرية الصحافة مقدسة ويجب عدم المساس بها..ولكن يجب على الصحف أن تحسن من أدائها المهني....الخ\"، تبدو غير مقبولة ومبررة للاجراءات الاستثنائية والعقابية خارج إطار القانون. بالتأكيد إن الصحافة مطالبة باستمرار بتحسين أدائها المهني، وبالتمسك بقواعد العمل المهني والتأكد من صدقية الأخبار والمصادر، هذا إذا غضبت عنها السلطة وكبار مسؤوليها أم لم تغضب، وسواء كان الخبر متعلق بالحكومة أو بمواطن عادي أو بستات الشاي، هذا واجب ضروري ومستمر. لكن المشكلة في الربط الشرطي بين هذا وبين محاولة إيجاد تبرير لقمع السلطة للصحافة، واستخدام اساليب القمع والترهيب والمصادرة وفرض الرقابة، ومن المفترض على كل من يمتهن هذه المهنة، وكل من يهتم بحرية التعبير والإعلام أن يكون صاحب موقف مبدئي من ممارسات الرقابة والمصادرة والترهيب. في كل الدول قانون عام يحكم حركة المجتمع ومؤسساته، يضعه الناس بعد الحوار والتشاور والجدل وإشراك كل القوى الفاعلة، وهو يعكس مجموعة القيم والمبادئ والمسترشدات المتفق عليها، ويصبح هو الهادي والدليل لكل القوانين واللوائح والإجراءات المتبعة في الدولة. وعندما يشتجر خلاف بين أي من أطراف المجتمع، أفراد أو مؤسسات، يتم الرجوع للقوانين الموضوعة، وفي حراسة القانون العام أو الأعلى، وقد يسمى الدستور، للبت في النزاع واتخاذ القرار الصائب الذي يعيد الحقوق لأهلها، ومعاقبة المخطئ. وأهم ما يميز هذه المجتمعات المتحضرة والمتقدمة قاعدة أن لا أحد أعلى من القانون، فالناس سواسية، من رئيس لوزير لغفير، أمام القانون. إذا تضرر مواطن من الصحافة فإنه يلجأ للقانون المتفق عليه، وليس المفروض فرضا، ولو تضررت الحكومة أو أعلى مسؤول فيها، فهو لا يملك حقا مفتوحا، لكنه يعود لنفس القانون الذي قد يجده على حق، أو يرفض دعواه لأن الصحافة على حق. هذه هي القاعدة المقبولة دينا وشرعا وقانونا، وهي موجودة في كل مجتمعات الدنيا بكل أديانها وشرائعها ومعتقداتها، لكن الفرق في التطبيق، بعض المجتمعات يطبقها فعلا، والبعض الآخر يتغنى بها في الخطب الموسمية الرسمية والدينية، لكنه يعمل بعكسها. لو تضررت وزارة أو جهة سيادية من خبر مغلوط نشر في إحدى الصحف، فإن قوانيننا الحالية تعطيها أكثر من وسيلة للرد، والصحف ملزمة قانونا بنشر الرد والتصحيح والاعتذار عنه، وهناك لجنة الشكاوى بمجلس الصحافة، وهناك محاكم كثيرة جاهزة، فكيف لا تكفي كل هذه الاجرءات بحيث تلجأ الحكومة لاستخدام كل إمكانيات الدولة ضد الصحف والصحفيين. ليس في هذا الأمر غير تفسير واحد وهو الافتراء بالقوة، ومن المؤسف ألا تتعلم حكومتنا ولا تعتبر من كل ما حدث في العالم العربي طوال الأشهر الماضية. الاخبار