بقلم: سعيد ابو كمبال ت: 0925128851 [email protected] جاء في الاخبار ان السيد/ احمد محمد هارون والي ولاية جنوب كردفان قد وجه الدعوة الى مجلس تشريعي الولاية للاجتماع ويتكون المجلس من (54) نائبا ينتمي (33) منهم الى حزب المؤتمر الوطني كما ينتمي (21) منهم الى الحركة الشعبية. وهذا يعني ان الذين ينتمون الى الحركة الشعبية يشكلون (39%) من عضوية المجلس التشريعي في حين ان الحركة الشعبية قد تفوقت على المؤتمر الوطني في كل الدوائر الانتخابية الجغرافية ودوائر الاحزاب ودوائر النساء. ففي الدوائر الجغرافية تحصلت الحركة الشعبية على (49%) من الاصوات مقابل (44%) للمؤتمر الوطني وفي دوائر القوائم النسبية للاحزاب حصلت الحركة الشعبية على (47%) من الاصوات مقابل (45%) للمؤتمر الوطني. وفي دوائر القوائم النسبية للنساء حصلت الحركة الشعبية على (47%) من الاصوات مقابل (46%) للمؤتمر الوطني. وجاء في الاخبار انه يتوقع ان يشارك سبعة من النواب الذين ينتمون الى الحركة الشعبية في اجتماع المجلس التشريعي للولاية الامر الذي قد يوفر النصاب القانوني لمباشرة اعمال المجلس ولكن هل يعني ذلك ان الهدوء والاستقرار سوف يعود الى الولاية؟ لا اعتقد. حديث الارقام ولعب العيال توضح الارقام التي ذكرتها اعلاه ان الحركة الشعبية تتمتع بتأييد حوالي 50% من سكان ولاية جنوب كردفان ولا يدحض تلك الحقيقة الحماقة الكبيرة التي قام بها السيد عبدالعزيز الحلو للاحتجاج في 6 يونيو 2011 على نتيجة انتخابات والي الولاية عن طريق العمل العسكري. فعلى الرغم من ان ذلك التصرف مرفوض تماما ولا يوجد له سند قانوني او اخلاقي ولكنه لا يبرر ادعاء بعض رموز الحكم في الخرطوم بأن الحركة الشعبية قد انتهت او انها يجوز تجاهلها. والشيء المؤسف هو ان الذين يقررون بشأن ولاية جنوب كردفان انطلاقا من ذلك الفهم هم اناس من خارج الولاية ويفتقرون تماما الى الحساسية تجاه المخاطر والمعاناة التي يتعرض لها ابناء الولاية من مآلات قراراتهم الناتجة عن الاستخفاف وقصر النظر والمكابرة. وكأنهم لم يتعلموا شيئا من انفصال الجنوب ومشكلة دارفور. لعنة الموقع والموارد ان موقع ولاية جنوب كردفان ومواردها البترولية والزراعية الهائلة جعلتها تحتل موقعا متقدما في اهتمام كل من الخرطوموجوبا. وقد دارت الانتخابات في الولاية في مايو 2011 على اساس اصرار كل من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على الفوز بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الولاية مما ادى الى الافراط في الشحن العاطفي والاستقطاب السياسي والاصطفاف القبلي والعنصري وقد ادى ذلك الاستقطاب الحاد الى تغذية وتأجيج مشاعر وتوجهات عنصرية قديمة كانت ولا زالت تقول بأنه لا مكان للعنصر العربي في جنوب كردفان وان حدود العرب شمال خور شوشاي. وهو الخور الذي يفصل بين ولايتي شمال وجنوب كردفان. وقد خلق تداخل وتفاعل الدوافع السياسية والعنصرية التي تغذيها هي ايضا قوى اجنبية لا تخفي رغبتها في تفتيت وتفكيك السودان او على الاقل اضعافه واقعاده عن لعب أي دور مؤثر في المحيط العربي او الاسلامي او الافريقي، خلق حالة من الاحتراب والانفلات الامني غير المألوف في السابق. فقد تحول الاحتراب في جنوب كردفان من حرب بين جيوش الى استهداف شخصي واغتيالات للافراد العاديين. وقامت العناصر الخارجة على القانون باستغلال ذلك المناخ لتحقيق مآرب خاصة في تصفية الحسابات والاستيلاء على اموال الناس والاعتداء على الاسواق في وضح النهار وقد ساعد على ذلك الانهيار التام للمؤسسات التقليدية التي كانت تقوم بحفظ الامن والنظام في القرى والفرقان واعني بذلك الادارة الاهلية. واقع يتطلب الحكمة والحزم والحسم ان واقع جنوب كردفان اليوم معقد وحساس ويتطلب مقدارا كبيرا من الحكمة والابتعاد عن الرعونة والعنصريات الجوفاء كما يتطلب الحزم والحسم وعدم التردد في اتخاذ وانفاذ القرارات التي توقف التدهور وتحقق الامن والاستقرار انطلاقا من الحقائق الاساسية التالية: اولا لا يجوز من الناحية المنطقية فصل مشكلة جنوب كردفان من اشكالات وتعقيدات العلاقة بين شمال السودان ودولة الجنوب ولتحقيق الامن والاستقرار في جنوب كردفان على الحكومة في الخرطوم ان تعمل بجد واخلاص على اقامة علاقات مع جوبا تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية وعلى التعاون الصادق لمصلحة السودانيين في الجنوب والشمال. والا فان المواطن العادي في جنوب كردفان هو الذي يدفع ثمن توتر العلاقات بين الخرطوموجوبا. وثانيا تتمتع الحركة الشعبية بتأييد كبير جدا في جنوب كردفان ومن السخف محاولة انكار او تجاهل تلك الحقيقة او محاولة اصطناع قيادات بديلة للقيادات التي ارتضتها جماهير الحركة الشعبية نفسها ومن الضروري جدا ان تتاح للحركة الشعبية حرية العمل السياسي العلني وان تشارك في الجهاز التشريعي للولاية بالمقاعد التي حصلت عليها. وثالثا اصيب النسيج الاجتماعي في جنوب كردفان بدمار كبير وارتداد للولاءات العنصرية القبلية ويتطلب ذلك من ابناء الولاية انفسهم القيام بمجهود كبير منظم ومخطط لمحاربة ثقافة الكراهية والعصبية القبلية الضيقة ونشر ثقافة التسامح والتعايش و السلام وتوجيه طاقات كل ابناء ولاية جنوب كردفان من النوبة والعرب والفلاتة والهوسا والبرقو وغيرهم لنيل حقوقهم في الثروة والسلطة والوظائف العامة كاملة وغير منقوصة. ورابعا ان المزيد من التدهور وعدم الاستقرار في جنوب كردفان سوف يفتح الابواب لتدخل قوى الشر التي تريد تفكيك وتقطيع السودان. وخامسا ان اسوأ ما يمكن ان يحدث اليوم هو المماطلة والتردد في اتخاذ وانفاذ القرارات التي يتوقع ان تؤدي الى ايقاف تدهور الامن والاستقرار في الولاية ويأتي في مقدمة تلك القرارات ان يصدر الرئيس عمر البشير قرارا بتعيين حاكم عسكري للولاية لمدة لا تزيد عن ستة شهور حتى تتاح لنا نحن ابناء الولاية التشاور والاتفاق على شخص واحد من ابناء اهلنا النوبة نرشحه ونصوت له نحن جميعا نوبة وعرب وفلاتة الخ في انتخابات لمنصب الوالي تجري بعد انقضاء فترة الشهور الستة التي اشرت اليها اعلاه. وانا اقول ذلك لانني ادرك ادراكا كاملا ان واقع ولاية جنوب كردفان الحالي لا يحتمل المزيد من الاستقطاب والاصطفاف العرقي او السياسي.