اوراق متناثرة جور الأرض وعدالة السماء!! غادة عبد العزيز خالد لم تشغل الرأي العام الأمريكي في خلال الأيام الماضية قضية بذات مستوى قضية «تروي دايفس». «تروي»، امريكي أسود، ينظر إليك من خلال صورته وعبر نظاراته الكبيرة فلا ترى سوى عينين تترجيان الرحمة. لا تظهر على ملامحه معالم الحزن او الإبتسام، بل مجرد وجه جامد. ربما كان السبب هو انه ظل يقبع داخل اسوار سجن بولاية «جورجيا» لاكثر من نصف سنوات عمره ال«42»، وربما لانه متهم بجريمة قتل ينفي انه إرتكبها. بدأت القصة في 18 أغسطس، 1989، كان «تروي» لبى دعوة حفلة بمنزل احد أصدقائه، ولم يلبث كثيرا إذا قرر وصديق له الخروج سويا. وبعدما ابتعدا وهما يتجاذبان أطراف الحديث، مرا بمشرد كان يتشاجر مع رجل اسمه «سلفيستر»، وكان «مارك مكفي»، شرطي يعمل بالولاية، قريبا حينما سمع بان هنالك من يضرب الرجل المشرد فهرع إلى نجدته. من هنا كل الحكاية تتحول إلى ضباب، طلقات سمع صداها في الهواء، يصاب «مارك» ذو السبعة والعشرون عاما بطلقتين ويُردى قتيلا تاركا خلفه زوجه، ابنته ذات العامين وطفل رضيع. وبدأت الشرطة تحقق في قضية قتل فيها احد ابنائها، كانت القضية تأخذ طابعا شخصيا وقاسيا، فلم يستطع رجال الشرطة ان يعثروا على دليل واحد خلفهم. لم ير احد القاتل، لم يعثر على اداة للجريمة ولم تكن هنالك بصمات في ذلك الهواء الطلق. وفي اليوم التالي ذهب «سلفستر» إلى مقر الشرطة ليشهد بان «تروي» هو الذي اطلق الرصاص وهو الذي قتل الشرطي، وبدأت رحلة القبض على «تروي» الذي كان وقتها في مقتبل عشريناته. وشهد الشهود بان «تروي» اعترف لهم بانه كان القاتل، وسعى المدعي العام لإدانة «تروي» والحصول على أقصى عقوبة وهي الإعدام. وبدأت القضية تأخذ مناحي إجتماعية وعرقية، ومعظم الشهود الذين اقروا بداية ان «تروي» اعترف لهم بالقتل تراجعوا عن شهادتهم التي كانوا قدموها، كما زعموا، تحت تهديد وخوف من الشرطة. لكن لم تفد تراجعات الشهود عن إفاداتهم الأولى في خدمة قضية «تروي»، وقررت المحكمة موعدا نهائيا لإعدامه في الحادي والعشرين من سبتمبر الحالي. وبعدما تأجل إعدامه ثلاث مرات بسبب وقوف الرأي العام معه والذي يؤمن بانه مظلوم. وفي لحظة إعدام «تروي» والذي كان اهل المقتول حضور له، نظر إليهم يخاطبهم من خلال اعينه المترجية ويقول لهم في آخر كلماته:» لم اقتل ابنكم، والدكم او اخاكم..» وطلب من اهله واصدقائه ان يواصلوا حملة إثبات براءته من بعده. ولفظ «تروي» آخر انفاسه ثماني دقائق بعد الحادية عشرة من مساء الأربعاء الماضي. وظللت طوال يوم الحادي والعشرين من سبتمبر متأثرة قلقة، فمعرفة ان هنالك رجلا سيلفظ انفاسه قريبا كانت تؤرقني. نعرف ان صدورنا قد تهبط ولا ترتفع في جزء من الثانية، لكننا برحمة ربنا لا نعرف متى. فان اكون اتتبع الثواني لمقتله كانت تؤلمني. اؤمن بعدالة السماء والتي تقضي بان الروح يقابلها الروح وان القاتل يقتل ولو بعد حين، لكن كيف اؤمن باننا لم نظلم «تروي»؟ وكيف نتأكد بانه كان القاتل فعلا؟ هل القضاء يكفي حتى ولو لم تكن هنالك ادلة ثابتة للإدانة؟ ترى، كيف نثق باننا لم نجر في الأرض لكي نحقق عدالة السماء؟ الصحافة